السيادة أيها السادة هي المظهر الأوّل والأساسي، والمكوّن الجوهري «للدولة». ولذلك فقد اجمع كل الفقهاء القانونيين والساسة والمشتغلون بعلوم الكيانات السياسية منذ المفكر الفرنسي بودان إلى أصغر طالب جامعي على مقاعد الدراسة الجامعية، أن الدولة، أية دولة، لن تسمح، لأي كائن في الدنيا أن يمّس سيادتها، أو يلحق بها أي أذى.
ما آثار هذه الكوامن لحقائق يعرفها كل الناس، هو تلك التفاسير العجيبة التي بدأت دول الاستكبار والاستقواء الدوليين تطرحها دون أن تلقى بالاً لا إلى قواعد القانون الدولي العام، ولا إلى مبادئ الأعراف الدولية، ولا إلى نصوص الاجتهادات القانونية والفكرية والثقافية التي لا تنقطع عن الظهور أو البروز في كل ساعة.
إن هذا المساس بسيادات الدول أمر مرفوض، وأوّل ما ترفضه هذه القوى الغاشمة ولكن إن كان يمس سيادتها ذاتها، أما الاعتداء من قبلها، فهذا أمر، حسب رؤيتها، شيء مبرر ومقبول، بل وأنه حق لها قد رتبه «قانون القوة» بعد أن دفنّا «قوّة القانون».
كل ما نراه حولنا من تدخلات بعض الدول في شؤون دول أخرى أصبح يهدد كل معنى للعيش على هذه الدنيا حسب قياسات الإنسانية والعدل والمساواة، الأمر الذي يعني، بالضرورة، العودة إلى شريعة الغاب.
،، ،ومن الملاحظ أن معظم الاعتداءات على السيادة، هو واقع على دول ما كان يعرف بالعالم الثالث، وأكثر ذلك يجري بحق الدول العربية التي باتت مسرحاً لكل أنواع انتهاكات السيادة، الحال الذي أرجعنا بامتياز إلى فترة الانتداب والوصاية وركوب المندوبين الساميين بين أكتافنا. ولا يحتاج هذا إلى كثير عناء لا لمعرفة أسبابه ولا لإدراك مظاهره. فأول أسبابه حالة الضعف والسقوط التي نعيشها في وطننا العربي حتى بتنا نستعين بالأجنبي لضرب بعضنا البعض، بل وأصبح جزء من العرب يصطفون في خدمة الإغيار الذين لم يتركوا فرصة إلا وقتلونا ونهبوا أرضنا وسلبوا خيراتنا. أما مظاهره فهو ذلك «الانبطاح» الذي نبديه ونمارسه وقلوبنا ميّتة وكرامتنا قد غفت وراحت في سبات عميق حتى بتنا نلعن من يوقظها. وإلا فما تفسير أن يجول السفراء وأشباه السفراء في مناطق التوتر الداخلي العربي، بينما لم نرَ أحداً منهم يذهب إلى ساحات الصدام في أثينا وروما وسان فرانسيسكو. وما تفسير أن يقوم سفراء الغرب الأمريكي والغرب الأوروبي بذرف دموع التماسيح على قتلى سوريا، بينما تتجمد هذه الدموع في مآقيهم إن كان الحديث عن قتلى فلسطين والعراق ولبنان والسودان. بل وأكثر من ذلك فأين ضميرهم «المتحضر» عندما ساهموا وبكل قوّة وعزم وإصرار في تدمير ليبيا وفلسطين والعراق وسوريا؟ لماذا لم يطلبوا تسليح أهل غزة ليستعيدوا أرضهم، ويتباكون هم وبعض العرب على تسليح الصراع في سوريا واليمن وليبيا؟.
ونحن هنا نسأل لماذا بدأت الوفود الدبلوماسية وأعضاء التشريع تتوافد لتفقد أحوال لاجئي سوريا، بينما لم نر واحداً منهم يذهب لتفقد جوعى ومرضى المخيمات الفلسطينية والعراقية التي تناثرت هنا وهناك؟ السبب أن هذه المخيمات قد تولّدت نتيجة عدوانهم وهمجيتهم.
كفاكم اعتداء على سيادتنا وكفانا نوماً عنها.