،
محمد البدارين:،،
بأقصى حد يمكن ان تسمح به مقتضيات اللياقة ، وبصوت مشحون بالصدق والثقة والجدية ، راحت المسؤولة في الاتحاد الاوروبي (كاتريناشتون) تحث المسؤولين الاردنيين في مؤتمر فريق العمل الاوروبي الاردني في البحر الميت (22/2)على تحمل مسؤولياتهم لانجاح عملية الاصلاح في الاردن ، وحين تصل الى الذروة في خطابها تبدو وكأنها تستثير حميتنا الوطنية المفترضة عندما تكرر التأكيد : هذه بلدكم ! ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وبحكم مسؤوليتها ، فان السيدة اشتون ،تدرك طبيعة الاوضاع السائدة في المنطقة العربية او عند جيرانها ، وتعي بانها تعمل في بيئة شديدة التحول وسريعة التغير وفي منطقة تشهد تحولات تاريخية ،وتفتح فصولا جديدة، وهي تلاحظ حالة الاضطراب وعدم الاستقرار في منطقتنا وانعكاساتها على العالم ، وازاء هذه المتغيرات فان استرايجية الاتحاد الاوروبي الجديدة نحو جيرانه ، تقوم على الالتزام المشترك بالقيم الانسانية العالمية، والمساءلة المتبادلة واحترام التنوع والاختلاف ، والسيدة اشتون بطبيعة عملها مهتمة جدا بما يجري في المنطقة ، بحكم عوامل الجوار والمصالح والتأثير المتبادل والاخطار المتوقعة ، ومن المنطقي ان نلاحظ اهتماما اوروبيا على هذا المستوى من التركيز والجدية والحساسية بمشكلات بلدنا ومنطقتنا .،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
زمن التغيير ، هكذا تفهم اوروبا ما يجري في العالم العربي ، لذلك جرى تشكيل الفريق الاوروبي المتخصص بالمتابعة والتنسيق معنا ، حيث شهدنا الاربعاء الماضي اشتباكا اوروبيا اردنيا مركّزا في البحرالميت ، حرص خلاله الفريق الاوروبي على الالتقاء بالمسؤولين الرسميين وممثلي المجتمع الاهلي وممثلي مجتمع الاعمال ، فالبرنامج الاوروبي واضح ومنظم وعلمي وجدي، وينطلق من تقييم استراتيجي بعيد المدى يفهم ابعاد العلاقات على ضفاف المتوسط عبر تاريخ مزمن مليء بالمبادلات والتبادلات السارة حينا وغير السارة احيانا ، فمنذ حوار البندقية ، ثم الحوار العربي الاوروبي ، ثم برشلونه والشراكة الاورومتوسطية ، وفكرة اتحاد المتوسط ، ظلت السياسة الاوروبية تحاول ان تفهم او تتفاهم مع هؤلاء الجيران غير المستقرين او المزعجين .
،وبالمفهوم الاوسع فان القضية بين الضفتين على جانبي المتوسط ، كانت منذ اربعين سنة محل بحث بين عرب وخصوصا من خارج الاطار الرسمي وبين سياسيين ومفكرين اوروبيين من اتجاهات مختلفة ، ولذلك ظهرت منذ وقت مبكر مراكز في كثير من الجامعات الاوروبية معنية بقضايا العالم العربي فيما يشبه حركة استشراقية جديدة ولكن لاهداف مختلفة ، ولم يكن (برهان غليون ) وجها جديدا على المعنيين في هذه المسألة ، ومن الملاحظات المثيرة على مستوى الاهتمام الاوروبي بمنطقتنا اننا تابعنا قبل عشرين سنة حوارا تلفزيونيا مهما بين وزير دفاع اوروبي ومفكر عربي مهاجر لعب فيه وزير الدفاع دور المذيع ، ومثل هذه الاشارات تفيد المعنيين بشؤوننا في فهم المستوى العميق لابعاد الاهتمام الاوروبي بنا ، وهو اهتمام يأخذ الابعاد الثقافية والاجتماعية والانسانية في اطار الاهتمامات السياسية والامنية ، التي نفصلها نحن عادة عن بقية العوامل المتشابكة معها لاسباب اهمها غياب الجدية او نقص المعرفة ، ومن الامثلة المثيرة من جانبنا ، ان رئيسا للحكومة في الاردن اقيل مرة اثناء مباحثاته مع رئيس وزراء اوروبي زائر للاردن ، ونتذكر ايضا من امثلتنا خطاب وزير خارجية اليونان قي القمة العربية المنعقدة في مصر برئاسة البحرين قبيل غزوالعراق عام 2003 ، وكيف راح الوزير اليوناني يستنهض همم القادة العرب للتضامن مع اوروبا لمنع العدوان على العراق ، بصفته وزير خار جية الدولة المناوبة انذاك في رئاسة الاتحاد الاوروبي ، وبعد فوات الاوان فهم العرب ان الموقف الاوروبي المعارض لغزو العراق لم يكن حالة ارتجالية.
تطرح اشتون الان برنامجا متكاملا لمساعدتنا ودعمنا من قبل الاتحاد الاوروبي ، يشمل مساعدات مالية وبرامج اخرى ، لكنه دعم مرتبط ببرنامجنا الاصلاحي ، فهي تقول بانها تريد ان تبعث برسالة قوية مفادها ان نجاح الاردن يعد نجاحا لهم ، فهم يريدون للنموذج الاردني ان ينجح في انجاز عملية التغيير بدون فوضى واضطرابات، وهم مهتمون باصلاح حقيقي في الاردن يكرس مثالا للنظام الملكي الديمقراطي .
،و تقدم اشتون مفهوما لما تسميه الديمقراطية العميقة ، وضمن هذا المفهوم فان الديمقراطية ليست انتخابات فقط ، بل هي انخراط كل الناس في عملية التغيير وتحقيق التقدم ،، وهي تفهم هذا التغيير على شكل تورط المجتمع كله بالعملية الاصلاحية ، النساء ، الشباب، المجتمع المدني والاهلي، مجتمع الاعمال ، القطاع الخاص ، وتشدد على ان هذا المفهوم العميق للديمقراطية يعني الالتزام بقيم سيادة القانون والعدالة الاجتماعية والازدهار والرخاء ، لذلك فان الاصلاح الاقتصادي بمفهومها لا ينفصل عن الاصلاح السياسي ، فالعملية المطلوبة في الاردن هي عملية اصلاح شاملة وعميقة وواسعة ومستمرة ودائمة وغير قابلة للتراجع ، وهي ترى ان الشعب الاردني على حق عندما يتوقع من حكومته الكثير في هذا المجال ، ووظيفة الحكومة ان تستجيب لهذه التوقعات.
ان المفهوم العميق للديمقراطية عند اشتون يعني سيادة القانون والعدالة بين الناس والادارة الشفافة والمجتمع المنفتح والفضاء المفتوح الذي يشجع على انطلاق قوى المجتمع الاهلي لتتحرك وتنشط وتشارك ، وعلى ضوء التزام الاردن بالاصلاحات التي حسم امرها جلالة الملك مؤخرا ، فان السيدة اشتون تتوقع جدولا لانجاز المسائل المطلوبة بحيث تكون هذه الاصلاحات قد اتخذت شكلا ظاهرا في الواقع ،الفعلي خلال العام ،الحالي 2012 .
،وتعبر اوشتن عن قناعتها بوجود امكانيات هائلة في الاردن وشعب عظيم ، وقدرات تنظيمية مدهشة ، وهي من جانبها مستعدة للدعم والمساعدة وتقديم الحوافز ، ولديها برنامج للتنسيق والبحث في امور كثيرة تشمل قضايا حيوية جدا ، لكنها تؤكد بأن دورها هي ودور فريقها ودو الاتحاد الاوروبي يقتصر على ،الدعم والمساعدة والتشجيع والتسهيل ، وليس اتخاذ القرارات او تنفيذ الاجراءات او القيام بالعمليات ، فهذه المسائل العملياتية تخص الاردنيين انفسهم ، لكنها تتعهد باسم اوروبا انها ستكون معنا على طول الطريق بالدعم والمساعدة من اجل تحقيق الاهداف الاصلاحية ، ولكن هذه المرافقة على الطريق ، يحكمها التزام مشترك من الطرفين بالقيم المشتركة وهي ذات القيم الانسانية التي يؤمن بها العالم اليوم المتمثلة بحقوق الانسان والديمقراطية والعدالة وسيادة القانون.
و تطمئننا اشتون بانها غير معنية بالتدخل بشؤننا ، لكنها بنفس الوقت تحملنا المسؤولية ، فهي تؤكد بأوضح العبارات الممكنة بان الدور الاوروبي يظل في حدود الدعم ، فاوروبا لن تنوب عنا في انجاز قانون الانتخابات ولن تصوت نيابة عنا في صناديق الاقتراع ولن تشكل ،لنا احزااب فعالة ولن تحرك المجتمعات المحلية ، فالتقدم ليس سلعة يمكن ان تهدى لنا او يمكن ان نستوردها ، فهذه المهام الفعلية مهامنا ، والمجتمع لن يتحرك ولن يتقدم الا بقواه الداخلية ، وهذه العملية التي نحن بحاجة لها ، ليست سهلة ولا مؤقتة ولا قصيرة المدى ، بل هي عميقة وطويلة المدى وتحتاج لجهود حقيقية ومستمرة وواسعة ، فقد جربنا عمليات التقدم الشكلاني والادعائي والمسطح ، ودفعنا ثمنا باهظا جدا لقاء ذلك التقدم الوهمي ، فالتقدم ليس عملية مظهرية ادعائية شكلانية مصطنعة اواستعارة لبعض مقتنيات المجتمعات المتقدمة والايحاء من خلالها ببلوغ التحضر والرقي بطريقة بلهاء تثير الشفقة او الاشمئزاز ، ولا يتم عبر الافراط بترديد بعض المصطلحات الاجنبية بطريقة ببغاوية ، او تقليد المشي السريع لسكان المناطق الباردة جدا ، وما الى ذلك من حركات تكشف عن فراغات فردية واسرية مفضوحة ، ومجتمنا كما نعرف طافح بهذه النماذج البلهاء للاسف .
ننتظر من حكومتنا استغلال الفرصة فنحن ان تعاطينا مع هذه المبادرة الاوروبية ،بصورة جادة وصحيحة فسنحقق فوائد كثيرة جدا ، غير المساعدات المالية والاقتصادية ، فلدينا مزيد من الاحتياجات والكثير من الامور الخارجة عن نطاق المساعدات المادية ، انها فرصة عظيمة امام حكومتنا ومجتمعنا خصوصا بوجود السيدة اشتون في هذا المنصب الكبير ، فهي انسانة حساسة وسريعة الاستجابة وذات خبرة طويلة في قضايا المجتمعات ومختصة اساسا في علم الاجتماع وعملت في بلادها بقضايا كثيرة تمس حياة الناس وهي تعود في جذورها الى الطبقة الوسطى ، ولا تدعي اتقان ثلاث او خمس او سبع لغات بل تتكلم لغة واحدة فقط .
،ونأمل من المسؤولين في الاردن ان يهتموا بادارة عملية تنسيق فعالة ومبرمجة ومستمرة مع الاتحاد الاوروبي ، نلمس نحن المواطنين نتائجها واقعيا ، ونستطيع عبر برامج متاحة للعموم ان نستفيد من مشروع اوشتن الى اقصى مدى ممكن ، ،فقد تعودنا للاسف على تضييع الفرص ونرجو ان لا تضيع هذه الفرصة التاريخية ، فالسيدة اشتون وفريقها متحمسون الان للعمل معنا فلنستغل الفرصة السانحة ولنتخلص من المخاوف فمشروع اشتون غير مخيف ، ولا يخاف منه الا الذين لا يدركون حقيقة ما يجري في المنطقة ، ولا يلاحظون حرص الاتحاد الاوروبي على ان تجري عندنا عملية اصلاحية تقدمية شاملة، تضمن استقرارنا وازدهارنا ، على ان الاوربيين يدركون ان هذه العملية لن تنجح ان لم تكن حقيقية وجادة وعميقة وهم لا يعبرون عن هذا الموقف كخيار من بين عدة خيارات ، بل هم، يؤمنون بأن الحقائق الموضوعية المؤكدة تفرض هذا الموقف وهم يستندون الى رؤية واضحة ترتكزعلى الحقائق لا على الانطباعات والافكار الارتجالية.
وفي النهاية علينا ان نتذكر ان البارونة اشتون ، كررت مرتين على مسامعنا بان هذه هي بلدكم وهذه الاصلاحات اصلاحاتكم ، تاركة الباقي لفهمنا وفهمنا يكفي :
،But I say to you: this is your country, these are your reforms. The job of the European Union, my job, Bernardino’s job, of those who are here today, is to help and support, but it is your country.