“…حياة ابنائنا اهم من علامة التوجيهي..”قالها زميلنا بمراراة ،وهو الذي فقد ابنه قبل سنوات في حادث سير غداة اعلان النتائج،لكن هذه الحكمة يدركها الكبار فقط،او بعضهم،وقد تأتي –للاسف-متأخرة،والا فما الذي دفع احد الشباب “وهو طالب التوجيهي الى الانتحار بعد ان فوجيء بنتيجته في الامتحان،وما الذي دفع غيره من الطلاب والطالبات الى الاكتئاب او الاحتجاج على الواقع بهذه الطرق المؤسفة؟هل كان خيار الانتحار اهون على هؤلاء الابرياء من مواجهة المصير الذي ينتظرهم بعد الاخفاق في الامتحان؟هل كانت قسوة المجتمع-باعتباراته واحكامه- قاهرة الى حد المغامرة بالحياة والمستقبل والزهد فيهما ايضا؟ ومن يتحمل مسؤولية هذا العمل الشنيع:هؤلاء الصغار الذين كانوا ينتظرون مصيرهم الذي يقررة امتحان ،/مجرد امتحان،ام نحن :المجتمع بما فيه من مراسيم وتقاليد،وانظمة للتعليم والتربية،وادوات لقياس كفاءة الطلاب ،ومستقبل غامض تزيده الظروف الراهنة تعقيدا وصعوبة؟
لا ادري اذا كانت صورة الاحتجاج التي قدمها هؤلاء الشباب من ابنائنا تكفى لايصال اصواتنا الى من يهمه الامر،ولطالما كتبنا –وكتب غيرنا-عن هذا الرهاب الذي اجتاح مجتمعنا بسبب امتحان التوجيهي،وحول احلام الشباب الى “كوابيس” لا تنتهي، وقلق وتوتر وخوف في كل بيت، فمن نتائج الثانوية الى نتائج القبول في الجامعات الى نتائج امتحانات الكفاءة الى امتحانات الوظيفة ،وكأن الامتحان-بكل ما فيه من خلل –هو المعيار الوحيد الذي يقرر مصيرنا ،والقدر المكتوب الذي نفر منه اليه ،ويا ليت ان الذين اغرقونا بوعود”اصلاح التعليم” ،وانزلوا علينا “بالبرشوت”تجارب الدول المتقدمة في كل مجال انتبهوا الى هذه”المصيبة” التي حلت على مجتمعنا ،واستفادوا من تجارب الاخرين في هذا الموضوع تحديدا ،لكي لا يتحول هذا الامتحان الى “ارهاب” عام ،او عقوبة جماعية تهدد مجتمعنا وابناءنا وتدفعهم الى الانتحار.
اعرف ان المشكلة تتجاوز امتحان التوجيهي الى نظامنا التعليمي بشكل عام ،وان ابناءنا للاسف تحولوا الى حقل تجارب،وان كل مايقال عن الارتقاء بمستوى الامتحانات وكفاءة الطلاب مجرد كلام مرسل لا علاقة له بواقعنا ،واننا بالتالي بحاجة الى اعادة نظر في كل ما يتعلق بهذا الملف الخطير ،ولكنني لا استطيع ان اتجاوز “انتحار”شاب او اكثر احتجاجا على هذا المعيار المعتمد لتقرير مصيره ومستقبله،ولا افهم كيف يمكن ان تمر مثل هذه الحوادث المؤسفة(التي لا نقبلها ولا نبررها ابدا) على مجتمعنا دون ان يتساءل:اين الخلل:في الطالب ام في الامتحان؟في الاهل ام في المجتمع ؟في وسيلة الاحتجاج ذاتها ام في الرسالة التي تريد ان توصلها الينا؟في الظروف الاجتماعية والاقتصادية ام في سياسات القبول الجامعي وما يتعلق بها من “مشكلات”ام في ابواب سوق العمل المسدودة،ام فيها جميعا بلا استثناء؟
الاجابات مرة –بالطبع-،ومع ذلك فقد آن لوزارة التربية تحديدا ان تبادر على الفور الى الاجابة على سؤال القلق(هل اقول الموت)الذي يطرحه امتحان التوجيهي في كل عام،وان تمتلك الجرأة والشجاعة للاعتراف بان هذا المعيار لم يعد يليق بمجتمعنا وطلابنا،ولا يجوز ان نستمر به وفق ما هو معتمد الان،فامن ابنائنا النفسي وحياتهم ايضا اهم من ان نتركهما لامتحان كي يقرر مصيرهما ،او يقودهما الى الخطأ والمجهول.