خرجت مسيرات احتجاج صغيرة وصدرت بيانات استنكار خجولة، لكن الحدث الجلل ظل بعيدا عن لائحة اهتمامات الجمهور العربي الذي يفترض أنه صار، نتيجة الثورات العربية، اكثر تمسكا بالدين الاسلامي ورموزه وقياداته، ولم يثر على الاقل الجدل الذي يستحقه او السجال الذي يستدعيه.
كان من المتوقع ان تتم الدعوة الى جمعة غضب عامة اليوم وفي مختلف البلدان العربية والإسلامية للتنديد بإقدام القوات الاميركية في إحدى قواعدها العسكرية في أفغانستان قبل ثلاثة ايام على إحراق نسخ من القرآن، والتضامن مع المواطنين الأفغان الذين خرجوا بالآلاف الى الشوارع وسقط منهم قتلى وجرحى في تظاهرات لم تتوقف حتى الان.
صحيح أن واشنطن اعتذرت عن ذلك «الخطأ» في بيان للبيت الابيض ووزارة الخارجية وقائد القوات ألاميركية في افغانستان، لكن ذلك لم يهدّئ الشارع الأفغاني الذي يبدو أنه زاد سخطا عندما علم أن الجنود الأميركيين أحرقوا النسخ عمدا لأن المعتقلين الأفغان في سجن القاعدة العسكرية كانوا يستخدمون القرآن للتعبئة والتحريض وتبادل الرسائل المرمّزة في بينهم وبين رفاقهم خارج المعتقل.
ما زال الحدث أفغانيا وما زال الصراع داخل الحدود الأفغانية. ولعل ابرز معالمه أن حركة طالبان التي هتف المتظاهرون في شوارع كابول لها ولزعيمها الملا عمر، لم تشارك في حملة الغضب، على طريقتها المعروفة التي تتمثل بإرسال بضعة انتحاريين لضرب اهداف معادية… ما يوحي بأن حوارها الجاري حاليا مع الاميركيين في قطر حول شروط جلاء المحتل الأميركي عن الارض الأفغانية بدأ على الأرجح يؤتي ثماره.
هو شأن داخلي أفغاني مع أن القرآن ليس كذلك، ومع أن الصحوة الاسلامية في العالم العربي ليس لها حدود، وربما لن يبقى لها وجود خارج السلطة، وقد سبق لها أن عبّرت عن نفسها بطرق عنيفة في اغلب الأحيان ردا على اعتداءات وإساءات وانتهاكات أميركية او غربية للعقيدة ورموزها أقل اهمية او أدنى استفزازا من حرق نسخ القرآن، الذي تراجع كاهن اميركي في آخر لحظة عن إشعال النار فيه علنا. وقصة الرسوم الدنماركية لا تنسى مثلها مثل قصة الكاتب البريطاني سلمان رشدي التي لا تمحى!
لا يمكن تفسير هذا السكون العربي الاسلامي باللامبالاة او الاستخفاف بأميركا التي لم تعد قوة عظمى تفرض التحدي او تجعله جذابا… ولا يمكن نسبته الى الترفّع والتسامح مع مثل هذا الانتهاك للكتاب المقدس، والذي يندرج في سياق طويل لا يحتمل الشك في عداء الأميركيين للإسلام والمسلمين.
لعل هناك وعيا عربيا وإسلاميا جديدا يتشكل حول فكرة الثقة بالنفس والعقيدة والقدرة على اقامة علاقة جديدة متكافئة مع الغرب… او أن الأمر كله لا يعدو كونه انقطاعا جديدا عن الحدث الأفغاني الذي كان على الدوام مصدر حرج للإسلاميين معارضين كانوا ام حاكمين!
لكنه يبقى حدثا مهما، حرق القرآن وسكون الجمهور.