خطوة صغيرة، مواربة ، فرضتها متطلبات عقد القمة العربية في بغداد في نهاية آذار المقبل، لكنها يمكن ان تمثل انعطافاً مهماً في الجو العربي المضطرب بشتى انواع التوترات السياسية والاجتماعية والطائفية.
قررت السعودية أن تعين سفيرها الحالي في الأردن سفيراً غير مقيم في العراق، الذي قطعت علاقاتها الدبلوماسية معه إثر غزوه الكويت عام ???0، ولم تعد اليه منذ ذلك الحين، على الرغم من أن بقية دول الخليج العربي سبق أن عادت الى العاصمة العراقية خلال السنوات الماضية، بأشكال مختلفة ودرجات متفاوتة.
الخطوة بسيطة لكنها تمثل اول تأكيد رسمي بأن السعودية ستحضر قمة بغداد العربية، وستنضم أخيراً الى بقية الدول الخليجية والعربية التي اعترفت بأن العاصمة العراقية كانت وستبقى عربية، وسيظل العراق جزءاً من العالم العربي، على الرغم من الخطاب السياسي الذي دأب على اختصار السلطة العراقية بصفتها نظاماً خاضعاً للغالبية الشيعية التي تخضع بدروها للنفوذ الإيراني المطلق.
لا يعني الاعتراف السعودي أن الرياض تخلت عن هذا الاتهام الموجه الى شيعة العراق، أو أنها تسعى الى تحويل بلاد الرافدين الى ارض لقاء او حوار سعودي إيراني، بدلاً من ان يظل ارض صراع ومواجهة، هدأت في الآونة الاخيرة نتيجة انفجار ساحة المواجهة السورية. ثمة ما يوحي بأن الامر لا يعدو كونه اختباراً للبلدين، يحتمل التسليم بالوقائع الموضوعية التي أفرزها الاحتلال الأميركي، لكنه يشير أيضاً الى إمكان إعادة العراق على اختلاف مكوناته القومية والدينية الى الحضن العربي.. مهما بدا هذا الحضن غير دافئ أو غير جاهز لمثل هذه الخطوة المهمة.
ولعل أهم ما في الاعتراف السعودي انه يمثل افتراقاً عن الخطاب الرسمي والسياسي الذي كان ولا يزال يصنف إيران باعتبارها دولة غزو واختراق للعالم العربي، أو بصفتها بلداً لا يستحق الوجود، مثله مثل اسرائيل، حسب تعبير شهير نسب الى الملك السعودي عبد الله العام الماضي ولم تنفه الرياض.
حتى ولو كان الأمر مجرد هدنة سعودية إيرانية فرضتها ظروف انعقاد القمة العربية في بغداد، فإنه يستحق التوقف عنده عله يؤسس لتحييد العراق وتشجيع شيعته، الذين لا يحتاجون الى الكثير من التشجيع أصلاً، من اجل الاحتفاظ بمسافة كافية عن طهران. وهو ما يميلون اليه، بمن فيهم الذين أقاموا لعقود طويلة في المنفى الإيراني هرباً من حكم صدام حسين.
الهدنة ليست مؤكدة وهي أيضاً ليست ثابتة، يخترقها تحديداً الصراع الذي يكاد يصبح مباشراً بين البلدين على سوريا.. والتي تبدو معها القمة العربية المقررة في بغداد بالذات مجرد مزحة لا يحتملها أحد لا في دمشق ولا في الرياض ولا في أي عاصمة عربية اخرى.