حركة المقاومة الاسلامية ‘حماس’ تعيش ازمة داخلية عاصفة يحاول بعض المسؤولين فيها التغطية عليها من خلال تصريحات تقلل من شأنها، وتنفي وجود انقسامات في القيادة العليا على ارضية اتفاق الدوحة الاخير الذي وقعه الرئيس محمود عباس ممثلا لحركة فتح والسلطة ومنظمة التحرير والسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بحضور امير قطر.الخلافات داخل المكتب السياسي لحركة حماس ليست جديدة، وبدأت قبل توقيع اتفاق الدوحة باشهر ان لم يكن بسنوات. وكان واضحا ان الانسجام بين السيد مشعل وبعض اعضاء المكتب السياسي المتواجدين في قطاع غزة شبه مفقود، خاصة بين السيد مشعل والسيد محمود الزهار الرجل القوي في قطاع غزة.
المسؤولون في ‘حماس’ يتكتمون على طبيعة هذه الخلافات، ولكن ما يتسرب من احاديث الكواليس يؤكد انها عميقة، وتتعلق بقضايا استراتيجية مثل التسوية السياسية وكيفية التعاطي معها. والاسس التي يجب ان تقوم عليها المصالحة مع الرئيس عباس وحركة ‘فتح’، واخيرا العلاقة مع ايران.
السيد مشعل اغضب جناح الصقور عندما اوحى في مقابلات صحافية انه يؤيد المقاومة السلمية، وبالاحرى العصيان المدني، والاقتراب اكثر من السيد عباس وكأن حال هؤلاء يقول ان الرئيس عباس نجح في جر السيد مشعل الى ارضيته وليس العكس، وانعكس ذلك بوضوح في تصريحات هجومية للسيد الزهار اكد فيها على التمسك بسلاح المقاومة المسلحة.
الانقسامات انعكست على الجناح العسكري لحركة ‘حماس’، اي كتائب عز الدين القسام، وترددت انباء عن وجود فريقين داخلها الاول بقيادة السيد محمد ضيف والآخر السيد احمد الجعبري، حيث يؤيد الاول موقف السيد الزهار بينما يميل الثاني للوقوف في خندق السيد مشعل، الامر الذي قد ينعكس سلبا على وحدة الحركة السياسية والجغرافية ايضا.
وفي ظل هذه الانقسامات والخلافات من المتوقع ان يعقد المكتب السياسي للحركة اجتماعا مغلقا في القاهرة في اليومين المقبلين لبحث جميع القضايا المطروحة، وايجاد تسوية لجميع هذه الخلافات او معظمها على الاقل.
الامر المؤكد ان السيد مشعل سيواجه عاصفة من الانتقادات من قبل جناح الصقور لتوقيعه اتفاق الدوحة دون التشاور مع المكتب السياسي، ولعدم رضاء هذا الجناح على زيارته للعاصمة الاردنية بصحبة ولي عهد قطر التي اثارت جدلا كبيرا خاصة حول الطريقة التي تمت بها.
السيد مشعل يتمتع بخبرة سياسية عميقة، وبراغماتية بدأت تتبلور في الاعوام القليلة الماضية انعكست في اندفاعه نحو المصالحة الفلسطينية والمصالحة الاردنية، دون اغضاب مصر واطراف اقليمية اخرى، ولكن تراجع القضية الفلسطينية عن سلم اولويات الاهتمام العربي والدولي، وخروج الرئيس عباس عن بعض النصوص بذهابه الى مفاوضات الاردن دون التنسيق مع شركائه في المصالحة بل وشركائه في المنظمة، انعكست كلها سلبا على السيد مشعل واضعفت موقفه داخل قيادة تنظيمه، وجاء اتفاق الدوحة الذي وافق فيه على رئاسة عباس للحكومة ودون التشاور مع رفاق دربه لتوجه له ضربة قوية قد يصعب عليه النهوض منها بسهولة.
حركة حماس بحاجة في الوقت الراهن الى التركيز على مصالحتين، او بالاحرى تحقيق واحدة بين جناحيها المتصارعين وفي اسرع وقت ممكن، وتصويب مصالحة اخرى مع حركة ‘فتح’ انحرفت عن مسارها نتيجة عدم التزام الطرف الآخر كليا ببنودها، وواصل التصرف كما لو ان شريكه غير موجود.
نأمل ان ينتهي اجتماع المكتب السياسي لحماس باتفاق يضع حدا للخلافات والانقسامات، فالحركة احوج اليوم الى التماسك والوحدة من اي وقت مضى، فالتهديدات الاسرائيلية لاجتياح القطاع تزداد شراسة يوما بعد يوم، والمنطقة كلها مقدمة على حرب ربما تعيد صياغتها واعادة رسم حدودها الجغرافية والديموغرافية
القدس العربي.