من أهمّ ملامح الأنظمة الاستبدادية الديكتاتورية أنّها تحتقر شعوبها, ويظهر الاحتقار من خلال التصرفات والأقوال والتصريحات والإشارات, حيث يرى أغلبية الزعماء المستبدين أنفسهم أنّهم أحسن وأفضل وأجمل وأقوى وأعلم وأشجع من الناس, ويرون أنّ احتقار الشعب هو لونٌ من ألوان السياسة, وهو جزء مهمّ من مسيرة الحكم; لأنّ الحاكم يجب أن يبقى في مكانة عالية وسامقة وبعيدة عن العامّة, لأسباب بدهية; انّ القرب من العامة يذهب الكلفة ويزيل الحواجز فتزول الهيبة, والهيبة تُعدّ أهمّ أعمدة الحكم وعوامل استمراره, فضلاً عن أنّ القرب من العامّة يؤدي إلى التعارف العميق, والتعارف العميق ربما يكون من أهمّ أسباب زوال الهيبة.
والشيء الآخر الذي يدعو الزعماء المستبدين الى الإيغال في احتقار الشعوب أنّ الذي يعطي دائماً يواجه كثرة الطمّاعين, ومن المعروف في عرف القادة والساسة أنّ الشعوب لا تشبع ولا تقنع, ولذلك يجب أن (لا تعطى عين)!.
المصيبة الكبيرة التي تحتاج إلى علاج في هذه المرحلة أنّه يجب تفهيم كلّ الناس وكلّ الزعماء أنّ الشعوب هي المالك الحقيقي للأوطان, وهي صاحبة الشرعية بالتصرف, وهي التي تملك السيادة العليا على كلّ ذرة تراب وعلى كلّ نقطة ماء وعلى كلّ عمق في الهواء إلى أعلى سماء. وجوهر المصيبة أنّ الزعماء تولد إليهم حسّ غريب تسرب إلى أعماقهم بالوراثة أنّهم يملكون الأرض وما عليها, يملكون الوطن والشعب والمال والماء والهواء, والمعضلة أنّهم يسرقون أقوات الناس, ويستولون على كدهم وجهدهم وعرقهم, ثم يتصدقون عليهم بالنزر القليل المصحوب بالمنّة والعجرفة وكلّ صنوف الاستعلاء والغطرسة, ولكنّ المعضلة الأكبر تتجلى في مجموع المنافقين والمصفقين وضعاف النفوس الذين يرفلون بأثواب الضعف والمسكنة والاستخذاء المجبول بالنقيصة والجبن واللسان المدّاح, وصدق الله تعالى القائل عن فرعون }فاستخف قومه فأطاعوه{.
ولذلك علاج هؤلاء الضعاف الذين يعانون من ذلّة النفس, وانحطاط المروءة أصعب بكثير من مواجهة الطواغيت المستبدين, وهؤلاء أشدّ على المصلحين من الزعماء أنفسهم, ولهذا فإنّ الحريّة تحتاج إلى جيلٍ شجاع, يتمتع بفهم صحيح, ونفسية عالية, وضميرٍ حيّ, ويتحلّى بشجاعة وجرأة بقول الحق.
rohileghrb@yahoo.com