كتب: جهاد الرنتيسي/
مس التسونامي العربي العصب العاري في حالة اللاتوازن الحزبي الاردني ، ولم يوجدها ، فهي مستعصية ، قوامها الهشاشة والتيه ، تراكم الازمات ، تضارب المواقف ، غياب الايقاع الضابط للاداء ، اخفاء الازمات الداخلية وتناقضات الخطاب ، بمبررات متداعية.
تكاد الظلال المتداخلة للازمات ، التي تنمو ، على سطح صدمة الوعي ، المدرجة في اطار ما يعرف بالربيع العربي ، وافرازاته ، وضجيجه ، ان تخفي بعض ملامح ، نظرة الاحزاب الاردنية ، للتعددية والديمقراطية ، واحترام حق الاختلاف بين البشر .
ولو لم تكن هذه الظلال موجودة ، لاوجدتها الاحزاب ، التي اعتادت على ترتيب اولوياتها ، خلف سواتر دخانية ، يحفل بها خطابها ، الموجه الى متلقي عالمثالثي مفترض ، ما زال ينحاز لعواطفه ، وينقصه التفكير العلمي في تحليل الظواهر .
الموقف الذي تتخذه جماعة الاخوان المسلمين ، تجاه القضية السورية مثلا ، يصعب وضعه في سياقات الانحياز ، للدولة العصرية و حقوق الانسان ، وتجديد الحياة السياسية ، لتتواءم مع روح العصر ، ففي سنوات قليلة مضت ، كانت هذه السياقات مغيبة ، عن ذهنية الجماعة ، المأخوذة ببريق قلعة الشعارات الزائفة .
مراعاة لشعار الممانعة ، الذي غلف تبعية النظام السوري لايران ، قرابة الثلاثة عقود ، اغمضت الجماعة عينها عن القمع ، الذي مارسه نظام الاسد ضد شعبه ، ولم تسلم منه النخب العربية .
وفي غمرة اندفاعها ، وراء شارع يروق له الشعار ، وغيره من التعاويذ ، التي تهيج العاطفة و تذهب العقل ، مارست الجماعة ضغوطات على اخوانها في سوريا ، لمصالحتهم مع النظام ، الذي لم يغير كثيرا من وحشيته وطبيعته الاستبدادية.
تفكير اخوان الاردن ، المنحاز للديني ، على حساب الوطني والقومي ، قادهم خلال ازمة الخليج الثانية ، الى موقف رخو في معارضة احتلال بلد وشعب اخر، مما اثار شكوكا حول رفضهم للاحتلال من حيث المبدأ .
غياب مبدئية الموقف في مواجهة الاحتلالات لا يخلو من تهشيم لقدسية فكرة الممانعة التي طفت على السطح لاحقا واستمالت الحركة الاسلامية الا اذا كان رفض الاحتلال مدخلا لمعاداة الغرب الداعم لاسرائيل وليس رفضا لفكرة الاحتلال .
في علاقتها مع الاخر ، لا تبتعد الجماعة كثيرا عن معاييرها المزدوجة وفهمها المطاط للديمقراطية وحقوق الانسان والموقف من الاحتلال ، فهي براغماتية ، في استخدامها للفكرة ، تخضع القيم عندها للحاجات الانية ، وتتغير استخداماتها لهذه القيم حسب الظروف ، تقطع اتصالاتها مع المسؤولين الامريكيين احتجاجا على احتلال العراق ، وتعيدها رغم انحياز الادارة الاميركية للعدوانية الاسرائيلة .
القوى اليسارية الاردنية لا تبتعد كثيرا في تناقضاتها عن براغماتية الاخوان المسلمين واستخداماتهم للقيم وان ظهرت اقل براعة منهم نتيجة لما تتيحه لهم ميثولوجية تفكيرهم .
اندفاع بعض القوى الماركسية ، على ارضية مواجهة افرازات ازمة الامبريالية العالمية ، التي ساهمت بشكل او باخر في التسونامي العربي ، وضع مقاربات لا تستقيم ، مع علمية ووضوح المنهج ، المفترض ان تؤمن به هذه القوى ، وتتمثله في ممارساتها وخطابها السياسيين .
تسوغ هذه المقاربات مثلا ، اسقاط الاوهام والرغبات ،التي حملت ” بضم الحاء ” للاتحاد السوفيتي ، في عقود ما قبل البروسترويكا ، على روسيا الراهنة ، رغم الفارق الشاسع ، بين الدولة العظمى التي كانت تتبنى قضايا الشعوب ، ودولة مافيوية ، تسعى للتحول الى قطب كوني .
وبدلا من تمثل قيم الديمقراطية ، في عالم ما بعد الاتحاد السوفيتي ، والاصغاء لتذمر الشيوعيين الروس ، من فساد نظامهم السياسي ، يتجاهل معظم القوى اليسارية الاردنية ، الطبيعة الدكتاتورية لنظام فلاديمير بوتين .
بهذه الذهنية تحول استخدام الفيتو في مجلس الامن ، لحماية نظام دموي ، يرتكب المجازر اليومية بحق شعبه ، الى انتصار كبير ، يشرب سياسيون عرب نخبه في بعض العواصم ، وعمل اخلاقي من الدرجة الاولى .
مثل هذه المفاهيم ، تتجاهل ابعاد المناورة ، في الممارسة السياسية الروسية ، وتبرر التعامل مع روسيا ـ ذات الاقتصاد القائم على الصناعات الاستخراجية ، والسياسة الخارجية التي تفتقر للتوازن ـ باعتبارها قطبا كونيا ناجزا ، يمكنه التاثير في الاقتصاد العالمي ، و تغيير معادلات كونية .
التيار القومي ، بشقيه اليميني واليساري ، وتلاوينه البعثية والناصرية ، لم يسلم من ارباكات هذه المعادلة ، فهو يتجاهل ، بشكل او بآخر ، افرازات العلاقة التي تربط النظامين السوري والايراني ، على الواقع العربي .
ففي الدفاع عن الشعارات القومية ، التي يرفعها النظام السوري ، تظهر ضرورات لضبط ايقاع الخطاب السياسي ، بالشكل الذي يضمن مهادنة الممارسات الايرانية ، وان كانت تستهدف دولا وشعوبا عربية .
ديناميات واولويات تفكير التيار القومي ، التي تظهر في خطاب الدفاع عن النظام السوري ، لا تترك مجالا للاعتقاد ، بتطور مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان ، او الخروج من تحت وطئة نظرية الاستهداف والمؤامرة ، وشبهات التفكير الفاشستي ، التي عرف بها القوميون ، منذ ظهورهم كتيارات فاعلة في الحياة السياسية العربية.
القواسم المشتركة التي تجمع الاحزاب والتيارات الاردنية ، رغم تباين وجهات نظرها ورؤاها المعلنة ، تكشف عن تقارب في آلية التفكير ، يقوم على تكييف المفاهيم مع المتغيرات ، بدلا من تطور التفكير السياسي ، مما يثير الشكوك في اهلية هذه القوى ، لادعاء احتكار الحقيقة .
تضع هذه الاختلالات ، علامات استفهام على جدية طرح القوى السياسية ، وتشكل عقبة اضافية امام الاصلاح السياسي ، الذي تنادي به ، وتملي ضرورة المراجعات الداخلية ، والتسليم بان امتلاك الشعارات ، والقدرة على احداث الضجيج ، لا يعفي من اعادة النظر في اليات التفكير والسياسات المتبعة .