تعبيرية
كتب: جهاد الرنتيسي/
طموحات السلطة ، تضع جماعة الاخوان المسلمين في الاردن ، مجددا ، على محكات ذهنية التحريم السياسي ، التي لا يخلو خطابهم المعلن من افرازاتها ، ومفرداتها القابلة للتغيير ، حسب ما تقتضيه الظروف .
لم تعد رغبة المشاركة في الحكم خافية ، بعد اعلانها على السنة قادة الجماعة ، مشفوعة بتبريرات مفارقة ، لخطاب احدى مقوماته زهد السلطة ، وممهدة لدور مختلف في الحياة السياسية .
تدرك الجماعة ، وواجهتها السياسية ، حزب جبهة العمل الاسلامي ، ان الدور المقبل ، الذي تتهيأ له ، بحاجة الى اداء وادوات مختلفين ، يمكن الاستدلال عليهما ، من تجارب ” التسونامي ” العربي ، الذي اوصل الاسلام السياسي الى السلطة ، في اكثر من بلد ، ووفر للجماعة في الاردن ، مناخات تتيح الاعلان ، عن رغبة المشاركة في الحكم ، دون تردد او مواربة .
لان اعلان الجماعة ، جاء في سياق تحولات ، تتجاوز المعادلة المحلية الضيقة، يعي الاخوان المسلمون جيدا ، ان لهذا الدور متطلبات ، مرتبطة بطبيعة العلاقة ، مع مكونات المعادلة الاردنية ، والاطراف الاقليمية والدولية .
تخريجة سقوط المحاذير ، التي فرضت قطع الحوار ، مع المسؤولين الامريكيين والبريطانيين ، في وقت سابق ، جاءت نتيجة لوعي الجماعة ، بعبثية الحديث عن المشاركة في السلطة ، وتجاهل الولايات المتحدة .
ولا شك في ان قادة الاخوان ، يدركون جيدا ، بان الامر لا يتوقف ، على حوارات عابرة ، مع قطب كوني وحيد ، بين مشاريع اقطاب ، له سياساته وتحالفاته المعقدة ، مع اطراف ومراكز قوى في المنطقة والعالم .
ففي الحوارات تطرح مطالب ، يتم الاتفاق عليها ، او الاختلاف حولها ، وبناء على نقاط الخلاف واللقاء ، التي تتراكم خلال الحوار ، يتم التوصل لتفاهمات ، او تنتهي الامور الى قطيعة .
تسريبات الحوارات المباشرة ، بين المسؤولين الامريكيين والاخوان المسلمين المصريين ، وغير المباشرة مع الاخوان المسلمين الاردنيين ، تفيد بان الموقف، من معاهدتي السلام مع اسرائيل ، بمثابة اوراق اعتماد لاسلاميي البلدين لدى الولايات المتحدة .
يعلم الاسلاميون في البلدين ، اللذين وقعا اتفاقيات سلام مع اسرائيل في فترتين مختلفتين ، استحالة وجودهما في الحكم ، دون التسليم بالمعاهدتين ، مثلما يعلمون محاذير ادارة الظهر لها .
معاهدة السلام الاردنية ـ الاسرائيلية ، التي تنطوي على اعتراف اسرائيلي بالكيانية الاردنية ، ورقة مهمة في المرحلة المقبلة ، لمواجهة دعوات الوطن البديل ، الذي تعلن الحركة الاسلامية باستمرار رفضها له ، ويدفع اليمين الاسرائيلي باتجاهه للافلات من استحقاقات السلام .
توقيع الاتفاقية في ظروف حرجة ، والتشكيك في شرعيتها ، رغم اقرارها في مجلس النواب ، والاستناد الى الخروقات الاسرائيلية للتقليل من اهميتها ، لا ينفي هذه الحقيقة .
لكن للتعامل مع المعاهدة ، باعتبارها امرا واقعا يصعب تجاهله او تجاوزه على المدى المنظور ، كلفته العالية في الشارع الاردني ، باعتباره الاكثر حساسية تجاه العلاقة مع اسرائيل .
الاشارات الاخوانية في بلدان ما بات يعرف بالربيع العربي ، الذي يحرص اخوان الاردن على محاكاته ، ما زالت متضاربة الى حد كبير، بفعل خصوصية كل بلد من هذه البلدان.
فمن ناحيتهم ، اظهر اخوان مصر مرونة عالية ، تجاه التعامل مع معاهدة السلام ، وان حرصوا احاطة موقفهم بساتر دخاني ، في المقابل ارسل الزعيم الروحي لحركة النهضة التونسية راشد الغنوشي رسالة واضحة ، بانه ليس بصدد الانفتاح على اسرائيل .
بذلك يجد اخوان الاردن انفسهم بين نموذجين من المواقف الاخوانية تجاه العلاقة مع اسرائيل .
النموذج المصري يبدو الاقرب الى تفكير اخوان الاردن ، لا سيما وان هناك تشابه، فيما يتعلق بوجود اتفاقيتي سلام مصرية واردنية مع اسرائيل ، كما يلعب استحقاق المشاركة في الحكم ، والانفتاح المعلن على الحوار مع الولايات المتحدة وبريطانيا ، دوره في تحديد الخيارات ، لكن هذا الخيار يبقى غير شعبي مما يضع الجماعة على مفترق طرق .