خصوم إسرائيل كثيرون؛ فلسطينيون وعرب وقوى راديكالية عالمية، وحتى بعض اليهود الذين لا يؤمنون بالصهيونية. وثمة آراء كثيرة يشرح فيها كل طرف أسباب خصومته. ولكن، كيف تنظر إسرائيل إلى هؤلاء الخصوم؟
الفلسطينيون هم أول الخصوم بالطبع، ويشرح ذلك (يورام كوهين)، رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، فيقول: إن المشكلة الرئيسية بالنسبة إلى إسرائيل في العام المقبل هي كيفية منع الجماعات الفلسطينية «الإرهابية» في غزة من الحصول على صواريخ يمكن أن تصل إلى منطقة تل أبيب. ويقول أيضا: إن خبراء صواريخ من الخارج (!!) موجودون الآن في غزة، يساعدون الحركات الفلسطينية من أجل زيادة مدى الصواريخ.
ثم يأتي الإيرانيون في المرتبة الثانية كخصوم لإسرائيل. وقد كان منطلق هذه الخصومة دائما اعتبارات سياسية وآيديولوجية، ولكنها تحولت مع الزمن إلى صراع مباشر يتعلق بالمصالح، فإسرائيل تقف وراء اغتيال علماء نوويين إيرانيين، أدت حسب صحيفة «هآرتس» إلى مقتل أربعة علماء منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2010.
وتعترف إسرائيل، حسب ما ورد على لسان (يورام كوهين)، بأن دولة رئيسية وجادة مثل إيران لا يمكن أن تقبل باستمرار هذا الوضع، بل إنه يقول «إنهم يريدون ردع إسرائيل لكي يعيد صانعو القرار فيها التفكير أكثر قبل إصدار أوامر بمهاجمة عالم نووي إيراني».
وتعترف إسرائيل بما هو أكثر فتقول: إنه خلال السنوات الثلاث الماضية، فشلت ثلاث محاولات جدية كانت على وشك التنفيذ، في تركيا ضد القنصل العام في إسطنبول، وفي باكو عاصمة أذربيجان، وفي تايلاند قبل أسبوعين.
وتعتبر إسرائيل أنها تواجه خطرا من نوع آخر يأتيها من شبه جزيرة سيناء. وهي تقول رسميا: يسهل إطلاق النار من سيناء على طائرات أو سفن إسرائيلية، ولا تستطيع مصر في الوقت الحالي السيطرة على الوضع بسبب الصعوبات الداخلية.
ولكن، ماذا عن الفلسطينيين داخل دولة إسرائيل؟ الجواب الرسمي الإسرائيلي يقول: إن اشتراكهم في «الإرهاب» ليس واسعا، وقد ألقينا القبض على ما بين 20 – 30 من العرب المقيمين داخل دولة إسرائيل في العام الماضي، مقابل ألفي فلسطيني في الضفة الغربية.
ولكن اللافت للنظر، أن إسرائيل تتحدث أيضا عن خطر يأتي من يهود إسرائيليين، وهي تصفهم بأنهم «فصيل ديني اختار طريق الإرهاب»، وأن جهاز المخابرات الإسرائيلي الداخلي (شين بيت) يحاول التعامل مع الإرهاب اليهودي (حسب وصفه) بأفضل طريقة ممكنة.
هل يمكن الخروج من هذا المأزق سياسيا؟ يقول (يورام كوهين) ما يفيد بأن الخروج من هذا المأزق، عن طريق المفاوضات مع السلطة الفلسطينية ومع الرئيس محمود عباس ليس ممكنا، لأن حكومة إسرائيل لن تعرض عليه أكثر مما تلقاه من الحكومات السابقة، ولأن الفلسطينيين يدركون أن الحد الأقصى الذي ستعرضه إسرائيل عليهم، لن يلبي الحد الأدنى للمطالب الفلسطينية.
وطبيعي أن انسداد طريق المفاوضات بهذا الشكل سيولد مشكلة على الأرض. وتعتبر إسرائيل أن المخرج من هذا المأزق لا بد أن يأتي من المجتمع الدولي، وهي تريد من المجتمع الدولي أن يركز جهوده على منع التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
إن الفهم الإسرائيلي للصراع الدائر وأساليب مواجهته، ينبئ بأن المرحلة القادمة لن تحمل جديدا، وأن السلطة الفلسطينية ستواجه حائطا إسرائيليا مسدودا، وستنشأ في النهاية حالة جديدة من التسوية الفلسطينية – الإسرائيلية، لا يكبحها سوى منهج الرئيس محمود عباس الذي يصر على التفاوض، ويرفض منهج تصعيد المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. ولكن، إلى متى يستطيع الرئيس عباس التحكم في هدا الموقف؟
من المنطقي أن تنشأ في ظل هذا الوضع حالة مقاومة شعبية للاحتلال تتحدى حتى المنطق الرسمي الفلسطيني، وآنئذ لن تستطيع حتى التحركات الدولية أن تتمكن من ضبط هذا الوضع، إذ لا يمكن للفلسطينيين أن يقدموا للاحتلال الإسرائيلي حالة مريحة، إلا إذا كانت هناك مفاوضات ناجحة، تقنع جميع الأطراف بالهدوء، وهو ما يبدو أن إسرائيل ليست على استعداد له.
لقد مر الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، في الأشهر الأخيرة بحالة مراوحة، ولكن طريقة التصرف الإسرائيلي لا تنبئ بأي احتمال لاتباع نهج سياسي منتج، وترى في كل هدوء لحركة المقاومة، فرصة راحة لها لكي تواصل في ما بعد احتلالها، ولذلك فإن الغيوم قد تتجمع، لتنفجر بعد ذلك في عاصفة من نوع جديد.
اللافت للنظر هنا أن إسرائيل لا تدير موقفا سياسيا يتواجه فيه طرفان، بل تتصرف على أنها تدير موقفا سياسيا لا بد أن يكون في النهاية لصالحها، وعلى حساب الطرف الآخر. وهذه سياسة إسرائيلية مألوفة، ولكنها سياسة حمقاء.
الصراع العربي – الإسرائيلي صراع أساسي في المنطقة، وقد يخفت صوته في مرحلة ما، ولكن طبيعة الصراع مثل الجذوة المتقدة ما تلبث أن تشتعل كلما هبت ريح مناسبة، والريح المناسبة تأتي من حركات المقاومة للاحتلال، وهي تقود عملا يمكن أن يتطور إلى ما هو أكثر من ذلك، إلى صراع عربي – إسرائيلي تشترك فيه دول وجيوش.
نقول ذلك بينما الكل يراقب تطور الأسلحة في العالم وفي المنطقة. الكل يراقب سلاح الصواريخ الذي أصبح أساسيا لدى الجيوش النظامية، بينما أصبح في نفس الوقت أداة في يد الحركات الشعبية المقاومة. وإذا كانت إسرائيل قد اعتادت أن تخوض معاركها خارج حدودها، فإن سلاح الصواريخ هذا يغير من قواعد اللعبة كلها، ويشكل الداخل الإسرائيلي جزءا من المعركة المسلحة، وهو ما تخشاه إسرائيل تاريخيا.
إن إسرائيل تعيش من دون عمق بشري، ومن دون عمق جغرافي يسندها، ولذلك فإن وصول طبيعة الصراع إلى هذه النقطة الحرجة، من شأنه أن يدفعها إلى التفكير، وإلى البحث عن حلول. ولكن العرب تعودوا على إسرائيل التي لا تفكر، وإذا فكرت فإنها لا تفكر إلا في نفسها.
تعود العرب على إسرائيل التي لا ترى، وكأن نظرية الانتحار لم تعد تراثا فقط، بل أصبحت جزءا من استراتيجيتها.