كتب: جهاد الرنتيسي/
سواء كانت تخص البلاد او اهلها ، تبقى الهوية ، في تعريفها ومحدداتها ، محل اجتهادات ، قد تصيب او تخطئ .
في كتابه ” هويات قاتلة ” قدم الكاتب والروائي امين معلوف مداخلة هامة في تحديد الاولويات المتحولة لعناصر الهوية انعكست على دراسات صدرت واوراق عمل كتبت في وقت لاحق .
وحين تكون محاولات تحديد الهوية ، ومهدداتها ، في مناطق سريعة التقلبات ، كمنطقتنا ، يصبح الامر اكثر تعقيدا .
السجال الدائر حول هوية الدولة الاردنية في سياق الحديث حول قانون الانتخاب والتمثيل السكاني في مجلس النواب لا يخرج في بعض جوانبه عن هذه المحاولات.
لكنه يأخذ في كثير من الاحيان منحى الانقطاع عن تحولات ظهرت على اولويات مكونات هوية الدولة والمواطن الاردنيين مما يبقيه خارج سياقه المفترض .
هوية الاردن السياسية قبل وصول الملك المؤسس عبدالله الاول واعلان الامارة لم تكن ذات الهوية بعد الاعلان .
وكان من شأن مشروع الملك عبدالله المتعلق بسوريا ان يغير شكل المنطقة لو لم يصطدم بصراعات المحاور الكونية وانعكاساتها في ذلك الحين.
قوة دفع ذلك المشروع انعكست على الهوية السياسية للمملكة مع بداية تأسيسها حيث طغى البعد العروبي على القطري مما اضاف جديدا لارث الاردنيين السياسي القائم على الانفتاح .
وحدة الضفتين كانت شكلا جديدا من اشكال تحولات الهوية السياسية للكيان الاردني وانفتاحها على المحيط .
الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية ، لم يدخل متغيرات تذكر ، على هوية الاردن السياسية ، فقد هاجر سكان الاراضي المحتلة من المملكة ، الى الجزء غير المحتل وحملوا معهم صفة النزوح .
وبقيت المتغيرات التي اعقبت قرار فك الارتباط سطحية ولم تصل الى الحد الذي يمكن وصفه بالتحولات على هوية الاردن السياسية .
التركيبة الديموغرافية التي تساهم في تحديد شكل هوية الاردن السياسية لم تخل ايضا من متغيرات بينها موجات الهجرة الناجمة عن حروب وصراعات بدء من القوقاز ومرورا ببادية الشام وانتهاء بالعراق .
غياب الجمود والسكون ، عن هوية الدولة الاردنية ، يبقيها في حالة تحول دائمة ، وان اغضب ذلك ، مستسهلي التقاط لحظات معينة من تاريخ المملكة ، ومحاولة اسقاطها على الراهن والمستقبل ، دون اية اعتبارات ، لتفاعلات الديموغرافيا ، والتطورات الاقليمية ، التي كان لها دورها البارز ، في تحولات هوية الدولة.
ومع هذا الغياب تفقد محاولات تحديد من هو الاردني استنادا لتاريخ قدومه الى المملكة مبرراتها .
كما تسقط بشكل تلقائي مبررات التلويح بخطر موهوم على هوية الدولة لدى تناول خارطة التمثيل السكاني في قانون الانتخابات النيابية .
سقوط مبررات التلويح بخطر الهوية لا يسقط في المقابل حقيقة الشعور بازمة هوية تفضي الى احتقانات فئوية لدى مكونات المجتمع الاردني .
تتجلى هذه الازمة بوضوح في اعمال الشغب التي تلي هتافات جمهور كرة القدم والمشاجرات التي تحدث في الجامعات بين الحين والاخر دون اسباب تذكر .
يمكن اعادة مثل هذه الازمات ، الى ارتداد المجتمعات لتكويناتها الاولية ، لدى تراجع دور الدولة ، وظهور التحديات الكبرى على الصعد الاقتصادية والمعيشية والسياسية وغياب الحياة الحزبية ، وانكفاء السعي الى تحقيق انجازات في حسم القضايا المفصلية.
بذلك لا تبتعد الكثير من الاطروحات السياسية التي يجري تداولها في بعض سجالات وجدل الهوية عن التشبيح في ملاعب كرة القدم والجامعات .