بعد طول اقامة داخل نفق معتم وحصار خانق، بدأت حركة المقاومة الاسلامية “حماس” تتلمس طريقها للخروج من عنق الزجاجة، بدءاً باتفاق المصالحة الذي عقدته مع حركة “فتح” والذي سعت من خلاله الى ترميم العلاقة الداخلية مع المجتمع الفلسطيني وخصوصاً في الضفة الغربية، لالتقاط انفاسها واعادة ترتيب اوراقها خارجياً.
هذا التحرك الواسع لـ”حماس” في جهات الارض الاربع، يهدف الى الخروج من العزلة المفروضة عليها والحصار الذي تواجهه منذ انقسام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 2006.
العرب والعالم
وهي بتحركها الخارجي، الذي بدأته الشهر الماضي بجولة رئيس وزرائها اسماعيل هنية على مصر والسودان وتونس وتركيا، وجولته الحالية في قطر وايران وعواصم عربية واسلامية اخرى، تسعى الى استعادة دعم المنظومتين العربية والاسلامية، على ما بين كثير من اطرافها من افتراقات وخلافات.
وهي تدرك انها تلعب على حبل مشدود.
وهي توجت انفتاحها عربياً باعادة الدفء الى علاقاتها بالاردن بعد قطيعة دامت 13 سنة، منذ ابعدت رئيس مكتبها السياسي (الاردني التابعية) خالد مشعل واقفلت مكتبها في عمان اواخر عام 1999″.
ويرى رئيس الدائرة السياسية في جماعة “الاخوان المسلمين” في الاردن الدكتور رحيل الغرابية ان “حماس” تتكىء الى حد ما في تجسير العلاقة مع المنطقة العربية التي تشهد تغيير انظمة، واخرى مرشحة للسقوط، على المد الاسلامي (الاخواني) في المنطقة، الذي تبلور في مصر وتونس وبدأ يتمظهر في ليبيا، وربما اليمن وسوريا، الى ثقله السياسي في المغرب والاردن.
ويقول الغرابية ان العالم ينتظر اكتمال التحول الديموقراطي في مصر، الذي “بعده ستظهر الآثار على المنطقة والعالم”.
مستشرفاً تطورات الوضع بعد ثورات ربيع العرب، يعتقد الغرابية ان المشروع العربي سيكون اقرب الى القوة والتوحد، وان المشروع التحرري العربي في فلسطين سينتعش.
وهو يرى ان المشهد المتوقع (سيفرض كذلك الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي اعادة قراءته بعمق واعادة صوغ علاقاتهما مع العرب والفلسطينيين و”حماس” بما يحفظ مصالحهما معهم.
وهو ما سيصب، في اعتقاده في مصلحة الفلسطينيين بما فيهم “حماس”، وسيرتد سلباً على اسرائيل، التي يعتقد ان المشهد السياسي سيتطلب منها ان تتواضع في مطالبها وتحد كثيراً من اطماعها.
غير ان الكاتبة السياسية لميس اندوني تلفت الى ان القوى الاسلامية الصاعدة في العالم العربي، على رغم تعاطفها مع “حماس”، “لا تريد عداء مع الغرب والولايات المتحدة تحديداً في الوقت الحاضر” الامر الذي يجعلها تبطىء آنياً دعم “حماس”.
الاردن: يا شقيق الروح
الاردن، بالنسبة الى “حماس”، هو العمق الاستراتيجي والرئة التي لا يمكن الفلسطينيين التنفس الا من خلالها، لاعتبارات جغرافية وسكانية وسياسية كذلك، نظراً الى وجود هامش من الحركة امام الاردن مع اسرائيل بحكم معاهدة السلام الموقعة بينهما منذ 16 سنة، وان يكن هذا الهامش بدأ يتضاءل اخيراً، بعد الضربة الموجعة التي وجهتها حكومة بنيامين نتنياهو الى الاردن الرسمي باحباط مبادرته الاخيرة لاحياء المفاوضات.
وهذا الأمر أفاد “حماس” التي تؤمن بأن الاسرائيليين لا يريدون سلاماً ولا يقبلون بدولة فلسطينية مستقلة، بل الأدهى، يقفون بقوة ضد مشروع الوطن البديل الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية على حساب الاردن كياناً وسكاناً، وهذه هي أبرز نقاط الالتقاء بين الأردنيين و”حماس”.
تركيا – إيران
لا شك في أن “حماس” تريد ابقاء علاقتها جيدة مع ايران الداعمة لها بقوة، بما في ذلك مادياً، لكنها لا تريد كذلك أن تخرب علاقتها مع تركيا.
المشكلة، التي تلاحظها اندوني، انه “سيكون صعباً على حماس الوقوف على الحياد أمام سياسة الاستقطابات التي تتبعها الدولتان” المحوريتان في المنطقة، خصوصاً ان تركيا تسعى الى احتلال موقع متقدم على ايران في المنطقة.
وبينما تدعو اندوني الى التريث ريثما تظهر نتائج زيارة هنية الحالية لطهران، فهي تشير كذلك الى أن طهران في حاجة الى ان تبقي علاقتها مع “حماس” باعتبارها ورقة للمواجهة والعلاقة مع واشنطن. لكنها تتوقع ان يصير تأثير ايران أقل على الحركة المندفعة صوب تركيا اللاعب الداخل بقوة على التحولات المستقبلية في الاقليم.
وداعاً سوريا… الى حين
وبعودة مشعل الى عمان، ومغادرته والحركة دمشق نهائياً، اقدمت “حماس” على خطوة محفوفة بالمخاطر، لكنها أمر لازم بالنسبة اليها.
فهي، وان اغضبت ايران الداعمة للنظام السوري ولها معاً، وفي ضوء قراءتها للواقع المتمثل بقرب زوال نظام بشار الاسد، لا تريد ان تخسر تعاطف الشعب السوري والنظام المقبل في دمشق في حال انحيازها الى النظام الحالي، كما يفعل “حزب الله”. ولا يرى الغرايبة ان خسارة “حماس” لسوريا كبيرة، “إذ إنها كسبت دولاً كثيرة في الوقت ذاته” على حد تعبيره.
وفي تقديره ان سوريا “ما عادت موطئاً لقوى الممانعة ولا غير الممانعة” بعدما منع تحول النظام هناك، الى الحل العسكري حيال شعبه، أي دولة او حركة قادرة على التواصل معه او الدفاع عنه”.
الداخل الفلسطيني
وثمة تباين في الموقف من المصالحة بين “حماس”الداخل والخارج، “لا يمكن اخفاؤه” في رأي اندوني، التي تلفت الى ان حكومة غزة تخشى على نفوذها هناك من الانحسار، بينما تذهب قيادة الخارج (دمشق سابقاً) الى ضرورة دخول النظام الرسمي الفلسطيني.
وعلى رغم التجاذب في ملف المصالحة بين تقدم وتراجع، الناتج من رغبة كل من “حماس” و”فتح” في الحفاظ ما امكن على مكاسبهما، إلا انهما تدركان انها صارت امراً حتمياً اذا أرادتا البقاء، خصوصاً ان الشارع الفلسطيني “يتململ غضباً وسأماً من استمرار الانقسام” الذي يتحمل الطرفان مسؤوليته.
النهار