أصبحت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة للمنطقة, لا تختلف كثيرا عن مهمات مبعوثي الإدارة الأمريكية, فيما يتعلق بتركيزها على محاولات “إحياء عملية السلام”دون تحقيق شروط الحد الأدنى من وقف بناء المستوطنات و الاعتداءات على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية, بما فيها القدس, و قطاع غزة.
في هذه الزيارة بالخصوص, يسعى بان كي مون إلى إنقاذ دور اللجنة الرباعية للأمم المتحدة, من خلال إقناع الطرفين في الدخول في مفاوضات الوضع النهائي بالرغم من فشل لقاءات عمان الاستكشافية نتيجة للإصرار الإسرائيلي على رفض قيام دولة فلسطينية, وتقديم مقترحات, استعرضتها في المقال السابق, تهدف إلى تثبيت السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.
نستطيع أن نطالب الأمم المتحدة بالالتزام بواجباتها كالراعي الرئيس لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب القانونية, بما في ذلك حق الشعب الفلسطيني في التحرر, وتقرير المصير, وحق العودة, ونستطيع أيضا تذكيرها بواجبها بحماية المدنيين من عنف وبطش قوات الاحتلال, ولكننا نعرف أن المنظمة الدولية أصبحت مقيدة تحت تهديد سحب الدعم الأمريكي السياسي و المالي لها.
ومع هذا لا بد من التوجه للسيد بان كي مون بأن يقوم على الأقل بوقف مهزلة اللجنة الرباعية, التي أضحت, كياناً ليس فقط تحت الهيمنة الأمريكية بل عبئاً مالياً, يستنزف موازنات يفترض بها دعم المنطقة, وإذ بها تتحول, كالعادة, إلى دعم, مصاريف السفر والإقامة, للمبعوثين وطواقمهم, عدا عن العمارة, التي يجري بناؤها في القدس, كمقر, يبدو أنه دائم, للجنة, طبعا مستفيدة, من أنه لا يوجد حل للقضية على المدى المنظور, وان أجلها لبعيد.
كيانات كهذه, التي تبدأ مؤقتة, وتنتهي دائمة, تصبح مؤسسات لها قاعدة منتفعة من المسؤولين, والسياسيين والخبراء, “والزعماء ” السابقين, خاصة المعروفين بتذللهم لواشنطن, ومشاركتهم “الفعالة” في إذكاء نار الحروب, تماماً مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق, توني بلير.
بلير لم يكتف, بممارسة الخداع على شعبه, لتبرير غزو واحتلال العراق, بل فاخر, في مذكراته, بدوره في الحرب, ولم تتوقف مغامرته على الترويج للمغامرات العسكرية الأمريكية, التي كوفئ عليها بتعيينه على رأس اللجنة الرباعية,التي مفروض أن تكون مهمتها صناعة السلام, وتم تسليمها, لصانع الحروب.
المهم أن بلير لا يحاول حتى مسايرة أهداف اللجنة المعلنة, ويبدو انه لا يقرأ حتى بياناتها, بالرغم من ضعف هذه البيانات, ويبدو انه لا يكلف نفسه في قراءتها, فكل ما يفتح فاه يأخذ دور الناطق الرسمي الإسرائيلي لأنه على ما يبدو يسعى لاسترضاء واشنطن وبالتالي ضمان موقعه المريح.
المشكلة طبعا لا تقتصر على بلير, الذي تتهمه الصحف البريطانية بالفساد المالي, بل على دور اللجنة ككل الذي أصبح منصباً, كجميع المبادرات والتحركات الأمريكية, على ضمان استمرارية المفاوضات,ولو شكلياً, لتجنيب إسرائيل,آي استحقاقات حقيقية, ومنحها غطاء للاستمرار في ممارساتها التوسعية.
يجب الإقرار هنا, أن وجود الدول الأخرى غير الولايات المتحدة الأمريكية, مثل فرنسا, وبالأخص روسيا, بالإضافة إلى الأمم المتحدة, حد من الدعم الكامل لإسرائيل, بدونهم لم نتوقع ان يكون أي إشارة إلى “وقف النشاطات الإستيطانية”, في بيانات الرباعية, فمثلاً, عارضت روسيا أن يشمل البيان الأخير للجنة, بعد محادثات عمان, دعوة قوية الى استمرار المفاوضات, وبالتالي خفف من الضغوط على الأطراف العربية المعنية.
لكن هذا ليس كافيا ليبرر وجودها, فاللجنة قامت, جزئياً على الأقل, لإبعاد الأمم المتحدة ومنعها من القيام بدور رئيسي في الملف الفلسطيني, ولكن تشكيل اللجنة الرباعية وفر غطاء سياسياً وشرعياً, يتمثل في عضوية الأمم المتحدة للموقف الأمريكي المساند لإسرائيل.
تشكلت اللجنة في الأصل,عام 2002 ، بعد انهيار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وانطلاق الانتفاضة الفلسطينية والاجتياح الإسرائيلي للأراضي الواقعة تحت “سيطرة” السلطة الفلسطينية, وتم الاتفاق أن على الطرفين تنفيذ شرطين لاستئناف المفاوضات: الأول هو تنفذ السلطة ترتيبات أمنية لمنع انتفاضة ثالثة, والثاني وقف المستوطنات, وفيما بدأت السلطة بتنفيذ “التزاماتها”, مخاطرة بالوحدة الفلسطينية, استمرت, بل وصَعدت إسرائيل ببناء المستعمرات, ومنذ ذلك اليوم الرباعية, تكتفي بالمطالبة, على استحياء, بوقف توسع المستوطنات فيما تضغط على السلطة عدم ترك طاولة المفاوضات.
أي ان اللجنة لم تفلح إلا بتأكيد استمرار ديناميكية تقدم مزيف نحو السلام, لذا نتمنى على بان كي مون إعفاء العرب من جهاز خداع جديد وإعفاء العالم من عبء هدر مالي, ليس له ما يبرره إلا جيوب قلة من المنتفعين.