احد أهم الشروط لاستعادة ثقة المواطن الأردني بدولته وبالمؤسسات القائمة هو الجدية في محاربة الفساد وفق معيار واحد دون انتقائية قد تفسر بشكل يعمق من ثقة المواطن بالمؤسسات بدلا من استعادتها. في الأشهر الأخيرة، سمعنا كثيرا عن الفساد، وأصبح هناك تعويم للمفهوم بحيث كدنا لا نعرف من هو النزيه من غيره ممن تولوا المسؤولية في السابق أو ممن هم على رأس عملهم.
إذن هي حرب الكل على الكل، مقولة للانجليزي توماس هوبز قالها في غابر الزمان عن قانون الطبيعة المفترض، وفي هذا الوضع المتخيل تكون حياة الفرد بائسة وقصيرة ومحفوفة بالمخاطر، ومع ذلك تمكن البشر من التوصل لعقد اجتماعي للخروج من قانون الطبيعة. وحرب الكل على الكل في الأردن أصبحت مقيتة وتستهدف المجتمع والدولة معا، والهدف هو القصف العشوائي بكل اتجاه حتى تكون تهمة الفساد عامة ولا نعرف من أين نبدأ. وهناك جهد مقصود لخلق القصص والاشاعات حتى يتوزع دم الفساد على القبائل، ولذلك لا بد من عقد جديد يكون عنوانه محاربة الفاسدين جميعا وهم معروفون للرأي العام الأردني.
بات الوضع خطيرا بحيث تراجعت الأردن على مؤشر الفساد الدولي إلى مراتب كان بإمكاننا أن نتجنبها لو طبقنا عددا من الاجراءات، ولسنا هنا بصدد اعادة اكتشاف العجلة من جديد، فهناك معايير باتت معروفة على المستوى الدولي تتعلق بالمسائلة والشفافية ووجود قضاء مستقلا وسيادة القانون والعدالة؟ هذه المعايير وغيرها تساهم في تعزيز نظام النزاهة الوطني الذي بحاجة لمؤسسات حقيقية وليست شكلية كما هو الحال نسبيا. والطريقة الوحيدة للتوصل لهذه المرحلة هو الاصلاح السياسي الشامل والحقيقي بعيدا عن مصالح المنتفذين الذين ما زالوا يضعون عصيهم في دواليب الاصلاح بحجج باتت واهية.
على أن إلقاء القبض على الرؤوس الكبيرة هي مهمة سهلة لا تحتاج لانتظار استكمال الاصلاحات السياسية، وواضح أن هناك قرارا ملكيا بأن لا تكون هناك حصانة لفاسد، ولسنا هنا بصدد وضع خطة خارطة طريق لمحاربة الفاسد، فهناك أسماء تتردد في الشارع يجب أن لا تكون إلا تحت القانون، وغير ذلك فإننا نبعث برسالة غير صحيحة تعزز فكرة بدأ البعض بتدوالها وتتعلق بالكيدية والتصفية الشخصية والاستهداف والانتقائية، مع أن العقد الجديد الذي نحتاجة ويساعد في استعادة ثقة المجتمع بالدولة يتطلب تطبيق المعيار ذاته على كل المشتبه بهم من الرؤوس الكبيرة التي أينعت وحان قطافها.