التحقيقات الجارية منذ زمن ليس بالقصير في عدد من ملفات الفساد عبر لجان التحقيق النيابية وهيئة مكافحة الفساد, لم تصل في غالبيتها العظمى الى مرحلة الحسم في الشبهات الدائرة حولها فيما اذا كانت في طريقها الى ادانة المتهمين فيها او تبرئة ساحتهم, حتى ان التفسيرات تذهب في تقييم حالة المراوحة الراهنة الى انها الاقرب الى استذكار المثل الشعبي الشهير “اسمع جعجعة ولا ارى طحنا”, لان الصخب التحقيقي الذي لا يكاد يهدأ كل يوم لا ترافقه احالات على نفس الوتيرة الى القضاء ليصدر احكامه القاطعة فيها.!
تطورات لافتة شهدتها احوال الفساد والفاسدين خلال الايام الاخيرة.. منها ما يتعلق بالجدل النيابي حول لجان التحقيق النيابية في مجلس النواب الذي ادى الى توقيع مذكرة من قبل خمسة وستين نائبا تم سحبها في اليوم التالي, تطالب بحل هذه اللجان وعلى الاخص منها تلك التي لا توجد فيها شبهات فساد تمس رؤساء وزارات او وزراء سابقين , فيما كشف بعض النواب صراحة عن تعرضهم الى ضغوط خارجية للعمل على طي ملفات محددة, على الرغم من ان دور المجلس النيابي هو رقابي وتشريعي ومن حقه الوقوف على حقيقة قضايا الفساد والتحقيق في ملابساتها.!
اما التطور الذي لا يقل شأنا فهو اقدام نائب رئيس هيئة مكافحة الفساد على تقديم استقالته من موقعه نظرا لما اعتبره تدخلات تتناول بعض القضايا المطروحة, وقام بنشر مقال مطول في احدى الصحف اليومية حول مجريات عمل الهيئة واعتراضه على ما يتعلق بكيفية التحقيق في ملفات فساد كبرى من بينها “موارد” على وجه التحديد, وانها تتعرض في مرحلة ما فيها الى التوقف لاسباب غامضة تحول دون انجاز المهمة مما افضى به وفق ما تردد الى المطالبة حتى بحل الهيئة نفسها.!
ردود الفعل على مثل هذه التطورات في قضايا الفساد اخذت ابعادا مهمة خلال الايام القريبة الماضية, عندما كشفت هيئة مكافحة الفساد في رفضها للاتهامات المنسوبة اليها عن انها ستفتح ملفات جديدة لمتورطين يعملون في هيئات ومجالس منتخبة, نافية ما سمته مزاعم تشير الى انتقائيتها لملفات دون غيرها وحفظها لاخرى تقدر قيمتها بحوالي خمسة مليارات من الدنانير, ومؤكدة ان دائرة المساءلة والملاحقة بدأت تضيق حول بعض رموز الفساد, وتفاعلت كذلك مطالبات من داخل مجلس النواب تطالب الحكومة بتقديم مشروع قانون “الكسب غير المشروع ومن اين لك هذا” خلال الدورة الحالية وتم توقيع مذكرة من قبل تسعة وتسعين نائبا في هذا الشأن تؤكد على ملاحقة اي مسؤول حالي او سابق على خلفية اثرائه غير المشروع, وهذا ما يعتبر من الشعارات الرئيسية التي يرفعها الحراك الشعبي قبل اكثر من عام نحو الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.!
يرى البعض ايضا ان مثل هذه الارتباكات في معالجة قضايا الفساد من قبل مجلس النواب وهيئة مكافحة الفساد في هذه المرحلة المهمة التي تشهد توسعا كبيرا في اثارتها من خلال احتلالها حصة لا يستهان بها يوميا في وسائل الاعلام المختلفة , ربما تعني اتباع سياسة جديدة في ادارة هذا الملف البالغ الحساسية, قد تعزز من النظرية الرسمية التي مفادها ان الفساد في الاردن انما هو انطباعي في غالبيته ونادرا ما يكون واقعيا.!
على ضوء هذه المعطيات المستجدة في قضايا الفساد وملفاته المتشعبة التي يسود الاعتقاد العام بانها ما تزال تخفي ما هو اعظم وبخاصة بعد الاعلان عن مساءلات لرموز تعتبر كبرى, من غير المعروف الى ان تسير بها التوجهات المستقبلية في قادم الايام, اثر اللقاء بين رئيس مجلس النواب ورئيس واعضاء هيئة مكافحة الفساد في ظل المطالبة النيابية مجددا باعادة فتح ملف مشروع التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي ناهز الانفاق عليه اكثر من نصف مليار دينار خلال سنوات ماضية, مع ان مجلس النواب الرابع عشر قد سارع الى اغلاق ملفاته دون سابق انذار على الرغم من انه وصل الى الذروة في نبش تفاصيله آنذاك.!
العرب اليوم