من حق اخواننا “النشطاء” الذين خرجوا للشارع للمطالبة بالاصلاح ان يكونوا “حاضرين” في مشهدنا السياسي القادم، صحيح انهم قدموا لنا “الواجب” حين نهضوا بالنيابة عنا لدفع عجلة التغيير، وحين اعادوا لنا “روح” الوطن التي افتقدناها فيما مضى من سنوات، لكن الصحيح –ايضا- هو مسؤوليتنا الاخلاقية والسياسية ايضا تفرض علينا ان نرد هذا الجميل، وان نجنبهم الشعور “بالخيبة” حين يقطف غيرهم حصاد تضحياتهم، او حين يفض “مولد” الاصلاح فيفاجؤون بانهم خرجوا منه خاسرين.. او لم يجدوا على مدرجاته “المقاعد” التي يستحقونها كلاعبين وشركاء لا مجرد متفرجين فقط.
من باب رد الجميل، اعتقد بان اثمن نصيحة يمكن ان اقدمها لهؤلاء الشباب الذين كسروا عصا الخوف وانتزعوا حقوقهم المشروعة في النقد والمطالبة والاحتجاج والتغيير هي “لم الشمل” وتوحيد الصفوف والتوافق على اطار وطني جامع، تكون ثمرته اطلاق مشروع وطني برؤية واضحة واهداف محددة واقترح ان يكون هذا المشروع عابرا للاحزاب ومتقدما عليها في البرامج والطروحات، وبعيدا عن “النخب” التقليدية التي تحاول أن “تركب” الموجة ومنسجما مع تطلعات الناس وقضاياهم ومع “هويتهم” الجامعة، ومتصلا ايضا مع “الاصل والعصر” اي مع الدين كباعث نهضوي حضاري ومع التراث الوطني اضافة الى العصر ومستجداته وآفاقه المفتوحة على العالم كله.
اذا تمكن اخواننا من تحقيق “لم الشمل” واهتدوا الى انتاج مشروع وطني جامع، فان التحدي الذي سيواجههم هو نقل هذا المشروع الى الناس واقناعهم به؛ وهنا اقترح ضرورة الملائمة بين اهمية الشبكات الإلكترونية والفضائية التي ابدع هؤلاء في استخدامها للتواصل فيما بينهم وبين اهمية “انتاج” شبكات اجتماعية جديدة وممتدة تسمح لهم بمخاطبة “القواعد” الشعبية التي خرجوا منها، والحصول على ما يلزم من دعمها وتعاطفها ذلك ان “وزن” اي تيار او مشروع سيبقى متواضعا؛ ما لم يجد له حاضناتٍ اجتماعية تؤازره وتتبنى برامجه وطروحاته.
فضيلة التوافق على “اطار” تنظيمي “غير حزبي بالضرورة” وعلى مضامين “المشروع” ووسائله ستخرج –بالتأكيد- حراك هؤلاء الشباب من زوايا “ملغومة” سواء أكانت عشائرية أم مناطقية أم حزبية وستدمجهم في “تيار” اصلاحي يستطيع ان ينافس وان يقدم “برنامجا” سياسيا، وان “ينتج” زعامات وقيادات شبابية جديدة ويدفع بها الى المشاركة في السياسة سواء من خلال صناديق الانتخاب أم من خلال حقول النفوذ الاخرى التي تسهم في صناعة القرار.
يمكن هنا ان نستفيد من تجربة “المعلمين” في نضالهم النقابي مع تطوير هذه التجربة في فضاء سياسي اوسع ويمكن –ايضا- أن نتعلم من دروس “الخيبة” التي اصابت “الشباب” في ميادين التحرر الاخرى لتجاوز مشكلة “اختطاف” النخب لتضحيات الشارع وحراكاته.
لدى “النشطاء” في الحراك بعد سنة على انطلاقهم فرصة للتفكير في اسئلة كثيرة تراودهم من اهمها سؤال “حصادهم” القادم وسؤال “المصير” الذي سينتهي اليه هذا الصراع على الاصلاح وسؤال دورهم في المرحلة القادمة وسؤال تجديد “الطبقة” السياسية التي يشكل تجديدها اساس عملية التغيير والتحول اما الاجابات فستظل “برسم” تحولهم من ساحات الاحتجاج الى ساحات “تأطير” الحراك وتنظيمه والتوافق على اهدافه واتجاه بوصلته وعلى المحطة التي سيصل اليها قطاره، وعلى “فاعلية” دورهم في المنافسة السياسية وبناء القواعد الاجتماعية وانتاج “الخطاب” الذي يلقى قبولا لدى الجميع، بعيدا عن “انفاس” الاقصاء والانغلاق او التماهي مع “اجندات” الاخرين التي لم تجد صداها وصدقيتها لدى الشارع؛ الذي اصبح يبحث عن “رؤى” جديدة، وفاعلين جدد.. و”شباب” مخلصين واذكياء.
الدستور