لقد كان العراق الدولة, فاعلا رئيسيا في المعادلة الضرورية لاستقرار الامن الاقليمي وقد جاء التدخل الخارجي الخاطىء ليلغي هذه المعادلة.
ليس واحدا من اولئك البسطاء الذين ملأوا الشوارع العربية يصيحون ضد حصار العراق واحتلاله من يقول هذا, انما الامير تركي الفيصل, في كلمته في مؤتمر الامن الوطني والاقليمي لدول مجلس التعاون العربية, الذي عقد في البحرين.
في كلام ينتسب الى تراث رثاء المدن في الادب العربي, او الى مسلسلات ملوك الطوائف.
اجل ليست المشكلة في ايران, ولا في تركيا ولا حتى في اسرائيل, بل في اختلال التوازن الاقليمي الذي لا يؤمنه الا ان يكون للعرب ثقلهم وسيادتهم على ارضهم. لان كل توازن اقليمي في العالم هو اشبه بلعبة الاطفال (السيسو) اذا ما هبط منها طرف ارتفع الاخر.
بدا الخطأ منذ الحرب العراقية الايرانية ونظرية الاحتواء المزدوج التي ارادت ضرب قوتين اقليميتين صاعدتين, احداهما بالاخرى, كي لا يظل بينهما من صاعد. وانتقلت الى صراع الكويت مع العراق, مدخلا لتدمير العراق كي لا يظل منتصرا, ووصلت الى نقطة المرمى, عندما تمكنت كل تلك الاحقاد من تعميق الشرخ المذهبي, انطلاقا من العراق وعلى امتداد العالم العربي, بحيث استطاعت تسيفي ليفني ان تقول – ومن الدوحة – إن اسرائيل والعرب هم حلفاء في مواجهة الخطر الايراني.
ما كان ليحدث هذا لو حافظ العرب على العراق, وفي مقدمتهم عرب الخليج, ولو سعى هؤلاء الى ما يقوله الامير السعودي في خطابه هذا : “مد اليد الى الجار الايراني وإقناعه بالحوار وبعدم التدخل المتبادل في الشؤون الداخلية”. يومها كان الايرانيون سيقبلون لان ثمة قوة عراقية تؤمّن التوازن في مقابلهم. لكن بعد ان وجدوا الجيش الاميركي على حدودهم العراقية, فان تيار التشدد قد قوي لديهم, ودفعتهم غريزة البقاء للتدخل السافر في العراق اولا لحماية انفسهم وثانيا لتمدد هيمنتهم, كما تفعل كل الدول عندما يتاح لها ذلك.
لا احد يضمر شرا لايران, قال الامير بهدوء, داعيا الى تعزيز الثقة بين ضفتي الخليج, مؤكدا ان امن الخليج مصلحة مشتركة لنا ولها ومسؤولية جماعية علينا وعليها, كي لا تقع في شرك يقودها الى حرب نعرف كيف تبدا ولا نعرف كيف تنتهي.
ولكن اقصى ما نخشاه ان يكون هذا الموقف الصحيح متاخرا وان نكون كلنا قد اصبحنا على فوهة المدافع, حتى ولو لم تحصل حرب مع ايران.
“نحن منكشفون استراتيجيا” يقول بصراحة جريئة, وهو يعني دول الخليج العربي, ولذلك يحذر من اية مواجهة نذهب نحن ضحيتها, وعليه يدعو الى الاصلاحات وترسيخ الوحدة الوطنية, والتقدم من صيغة التعاون الى صيغة الاتحاد. فهل ينطبق هذا الكلام الجوهري على الخليج وحده? واذا كانت اليمن كما يقول : الخاصرة الخليجية, فما هي الخاصرة الاخرى? وهل اقفال الجرح النازف هنا تقابله ضرورة طعن الجرح النازف هناك?
هل سيكون علينا ان ننتظر عشرين سنة كي نسمع من مسؤول عربي قولا جريئا حول سوريا على غرار ما يقوله الامير عن العراق?
ولكن هل سيكون لنا بعد عشرين سنة منابر يستطيع مسؤولونا ان يبكوا عليها دولنا المدمرة وسيادتنا المنتهكة?