
جلست أمس في صالون بيتنا الزجاجي الدافئ في خلدا غربي عمان أراقب زخات الثلج الأبيض او كما يحلو لنا تسميته (الزائر الأبيض)،كان يتساقط بطريقة رومانسية جميلة كالقطن الأبيض الخفيف الناعم…الجو بارد جدا في الخارج…ودافيء في الداخل…وصوت فيروز العذب الجميل يقطع الصمت في بيتنا بكلمات مناسبة …ثلج …ثلج …ثلج…
وفجأة أغمضت عيناي…واذا بشريط من الذكريات يمر في مخيلتي…كنت صغيرا…نسكن جبل الحسين…والثلوج تتساقط في عمان…أشعر بأحاسيس مختلفة…فرح بقدوم الثلج وخوف من أنقطاع الكهرباء…الشريط يدور وأرى الناس يهبون جماعات وفرادى الى المحلات التجارية والأفران ومحطات الوقود…أشعر بالخوف من البرد القارس ومن الظلام داخل المنازل وخائف من القادم…رغم سعادتي وفرحتي بالثلج…أستمع الى المذياع وهو يعدد شوارع غير صالحة للسير…والطرق الخارجية المقطوعة…وهاهم رجال الدفاع المدني يسيرون في الشوارع لفتح الطرق وازالة الثلوج…وفجأة يقطع الشريط صوت زوجتي عائدة وقد أحضرت لي كأسا من الشاي الساخن…
سافرت الى بلاد البرد والثلج….الى المانيا…وعشت هناك عقودا من الزمن …لم يقطع التيار الكهربائي يوما بسبب المطر او تساقط الثلوج…ولم يغلق شارع في مدينة المانية بسبب الحالة الجوية…لم أرى الألمان يركضون الى المحلات التجارية واسواق الخضار والأفران لشراء الكميات الهائلة من المواد الغذائية بسبب تساقط الثلوج…لم أرى الشعب الألماني يتهافت على محطات الوقود لشراء المحروقات الزائدة عن حاجتهم…لم تعطل مدرسة او جامعة او مؤسسة حكومية او اهلية بسبب الثلوج واقسم لكم لم ارى اشارة ضوئية واحدة تعطلت لهذا السبب…
وعدت بعد غياب طويل طويل الى عمان…وقد تطورت وكبرت وأزدهرت بمبانيها العالية ومولاتها الضخمة ومطاعمها الفخمة ومقاهيها الراقية وفنادقها الواسعة …ولكن للأسف…ليلة ماطرة كفيلة بتحويل شوارعنا الرئيسية الى سيول جارفة …وزخات من الثلوج كفيلة ان تقطع الطرق وتغلق الشوارع وتعطل الأشارات الضوئية…وموجة برد كفيلة ان تخرجنا من بيوتنا نركض وراء المواد الغدائية ورغيف الخبز والبنزين والكاز والسولار…وتساقط كمية قليلة من الثلوج كفيل بأغلاق مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا… أستغرب كل ذلك واسأل نفسي عن استعدادات امانة عمان والمؤسسات الخدماتية لمثل هذه الظروف الجوية المرتقبة…وعن مدى أمكانية البنية التحتية لدينا لتحمل ذلك…وعن الدوافع النفسية والأجتماعية التي تجبر الناس هنا على شراء المواد الغذائية والمحروقات المتوفرة يوميا في العادة قبيل سقوط الثلج بساعات مع عدم الضرورة لها وخزنها في بيوتهم وكأن الثلج طبول حرب ضروس لايعلم نهايتها الى الله…دمتم يا أهلي بصحة وعافية ودفئ…وتمتعوا بالثلج فهناك من يدفع مبالغ طائلة ليقضي أجازته فوق جبال تغطيها الثلوج…وأجعلوا قلوبكم بيضاء كبياض الثلج وطهارته…صباح الخير.
،zuhairjordan@yahoo.com