الإصلاح نيوز-،في العام الذي تلا الإطاحة بالدكتاتور التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك، بات من الواضح أن عودة العملية السياسية إلى الدول العربية ستكون عملية معقدة ودامية ومرهقة في معظم الأحوال، وأنها بدأت لتوها. الكثيرون أسموا ما يحدث “الربيع العربي”، لكن هذا المصطلح موسمي ويوحي بنفاد الصبر ويشجع على الإحباط. التجارب المستقاة من مناطق أخرى مرت بما تمر به المنطقة العربية – حيث استبدلت فيها الأنظمة التعددية أو الديمقراطية الأنظمة الاستبدادية – تظهر أن العالم العربي لا يزال في بدايات مرحلته التاريخية. وهناك أربعة عوامل ستحدد كيفية سير هذه المرحلة، ويجب على أوروبا الانتباه لها بشكل خاص.
ثورة جيل شاب
ثورة الشباب...فهل يقطف الشباب ثمار ثورتهم؟
العامل الأول هو التطورات الاجتماعية والسكانية؛ فالثورات في تونس ومصر ودول عربية أخرى أطلقها شباب تتراوح أعمارهم بين 20 و35 عاماً. ورغم أن تحصيلهم العلمي أعلى من الفئة الأصغر منهم سناً، إلا أن فرصهم أسوأ من صغار السن وكباره أيضاً. التغييرات السياسية في تونس ومصر وليبيا لم تساهم حتى الآن في تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لهذا الجيل. فأبناء “الـ2011″ – الثوريون الذي ينتمون إلى هذا الجيل – ليسوا من الرابحين في الانتخابات التي جرت في تلك الدول حتى الآن.
لذلك لا يجب علينا أن نفاجأ عندما يقوم هذا الجيل بمواجهة الحكومات الانتقالية أو السلطات المنتخبة في هذه الدول. وفي هذا السياق يجب أن تكون مهمة أوروبا مساعدة الدول التي تمر بعملية تحول على خلق فرص عمل لهذا الجيل وفتح باب المشاركة أمامه. كما لا يجب تجاهل أنه، ورغم تشابه التطورات الاجتماعية والسكانية في تلك الدول، إلا أنها لا تسير بنفس السرعة. فجيل أبناء “الـ2011″، الذي يمكن مقارنته بما هو موجود حالياً في تونس ومصر وسوريا، لا يزال في طور النمو في المملكة العربية السعودية، ولن يصل إلى مرحلة البلوغ إلا بعد عدة سنوات.
الجيش يزيد الوحدة الوطنية
هل فعلا العسكر في مصر هم ظل لنظام مبارك؟
العامل الثاني هو المؤسسة العسكرية، فالجيش في تونس ومصر لعب دوراً إيجابياً، عن طريق إفساحه المجال أمام الثورة ضد النظام الحاكم. أما في سوريا واليمن، فستعتمد التغييرات هناك بشكل كبير على تصرفات قطاعات واسعة من المؤسسة العسكرية. الجيوش في العالم العربي تتمتع بثقة أعلى من الثقة الممنوحة للحكومات، وهي تشكل في كثير من الأحيان عاملاً مساعداً على الوحدة الوطنية. لكنها ليست لاعباً محايداً أو ديمقراطياً، لأن لها مصالحها الخاصة، كما ظهر جلياً في مصر. أما القادة العسكريون فلا يفهمون معنى الحكم العصري أو احتياجات الاقتصاد في زمن العولمة. يستطيع الجيش منع الفوضى أو الحرب الأهلية، أو تأمين الانتقال إلى نظام سياسي جديد، إلا أنه ليس جاهزاً للعب دور في دولة ديمقراطية.
ومن أجل هذه الأسباب لا ينبغي للاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي امتداح المؤسسة العسكرية في تلك الدول أو تجاهلها، بل يجب عليهم التركيز على إشراكها. وهنا تلعب دول وسط وشرق أوروبا – التي حصلت على عضوية حلف شمال الأطلسي – دوراً مهماً، من خلال نقل خبراتها في إعادة هيكلة قواتها المسلحة بعد تغيير أنظمتها السياسية. لكن تأثير اللاعبين الخارجيين يجب أن لا يزيد عن حده.
الإسلام السياسي التعددي
العامل الثالث هو الإسلام السياسي. فمن المتوقع أن تصبح دول عربية أخرى في المستقبل أكثر ديمقراطية وتحفظاً في الوقت ذاته، إذ أظهرت الانتخابات في مصر وتونس والمغرب أن الأحزاب الإسلامية، وإن اختلفت توجهاتها الدينية، تمتلك قاعدة جماهيرية عريضة وأفضلية في الجانب الأخلاقي. ومع انفتاح الأنظمة السياسية في تلك البلدان، سيتسع الأفق السياسي للحركات الإسلامية، بحيث يصبح الإسلام السياسي أكثر تعددية بدلاً من انصهار هذه الحركات في بوتقة واحدة بفعل القمع السياسي في الماضي.
وهذا يطرح السؤال حول كيفية تطور جماعة الإخوان المسلمين، مثلاً، في مصر، أو ممثلي الإسلام السياسي السائد في المجتمع، في ظل منافسة الحركة السلفية، المستلهمة من الفكر الوهابي السعودي. هل ستصبح هذه الحركات أكثر تطرفاً من أجل كسب ود السلفيين على حساب وسطيتها السياسية؟ أم هل ستحاول إيجاد حلول براغماتية للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية بهدف تثبيت نفسها كأحزاب شعبية دينية محافظة، على غرار حزب العدالة والتنمية التركي؟ إن أوروبا قادرة على دعم الطرح الثاني بشكل أكبر، من خلال عرضها دعماً مبنياً على الشراكة والانفتاح على الحكومات الجديدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المنبثقة عن انتخابات نزيهة، بغض النظر عن اتجاهها السياسي.
التفاعلات الإقليمية
"جامعة الدول العربية، التي اعتبرت لوقت طويل نادياً للأنظمة الاستبدادية، تحولت إلى منظمة إقليمية لا ينتهي دورها عند حدود الدول الأعضاء"
العامل الرابع والأخير هو الجغرافيا السياسية للمنطقة، فالتغييرات التي حصلت والثورات المستمرة أثرت على التفاعلات الإقليمية، بحيث باتت كل من مصر وتركيا ودولة قطر الصغيرة الغنية بالموارد الطبيعية تمارس دوراً إقليمياً أكبر بكثير من السابق. أما جامعة الدول العربية، التي اعتبرت لوقت طويل نادياً للأنظمة الاستبدادية، فقد تحولت إلى منظمة إقليمية لا ينتهي دورها عند حدود الدول الأعضاء. وبالطبع فإن الإجراءات التي اتخذتها الجامعة ضد النظام السوري لها دوافع مرتبطة بالجغرافيا السياسية للمنطقة.
إسرائيل تواجه وقتاً عصيباً أكثر من غيرها من الدول في “هضم” التغييرات الحاصلة حولها. فهي تخشى – وهي محقة في ذلك – أن تؤدي الانتخابات الديمقراطية في دول الجوار إلى وصول مجموعات معادية لإسرائيل إلى سدة الحكم. لكن الحكومة الإسرائيلية الحالية، وبدلاً من محاولة كسب ثقة المجتمعات العربية عن طريق تبني سياسة سلمية فاعلة مع الفلسطينيين، تدفع البلاد إلى المزيد من العزلة.
وإن كان هذا وحده لن يجعل حدوث أزمات إقليمية جديدة شبه مؤكد، فإن الولايات المتحدة نأت بنفسها عما يحدث في الشرق الأوسط خلال هذا العام، الذي يشهد هناك انتخابات رئاسية، مما سيرفع الآمال المعقودة على أوروبا. المطلوب، إذاً، هو إدارة للأزمات فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، والمزيد من الجهود من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة النووية الإيرانية، إضافة إلى السعي لتشجيع عوامل التغيير السلمي في سوريا، ومنع هذا البلد من الانزلاق إلى حرب أهلية. (قنطرة)