تتكشف هذه الايام ابعاد جديدة لظاهرة الفساد في الشركات المساهمة العامة, بعد ان بدأت الدائرة الخاصة بمراقبتها تعلن عن بعض حالات التجاوز التي ترتكبها مجالس الادارة في غياب مساءلة فاعلة من قبل الهيئات العامة, التي تتحول اجتماعاتها في غالب الاحيان الى واجهات للتغطية على المخالفات من خلال تقارير مالية وادارية تزين واقع الحال, لتخفي ما هو اعظم من ممارسات مخالفة لكل القوانين والانظمة ذات العلاقة وشبهات تلاعب بأموال المساهمين الذين يدفعون الثمن في نهاية المطاف.!
ما اعلنته دائرة مراقبة الشركات قبل فترة وجيزة عن تحويل عدد من قضايا الشركات الى هيئة مكافحة الفساد للتحقيق في ملابساتها, ومن بينها قيام مجلس ادارة احدى الشركات المساهمة العامة بشراء اراض قيمتها اكثر من ستين مليون دينار وتسجيلها باسماء رئيسه واعضائه واحالة قضية “ميجامول” الى النيابة العامة, وهذا ما يشير الى قدرة هائلة على الجرأة في اساءة استخدام السلطة المخولة للادارات العامة في تسيير شؤون شركاتها العامة, خاصة ان هنالك العشرات من امثال هذه الاوضاع الشاذة في طريقها الى العلن بعد التثبت من حيثيات الفساد في اعمالها ! .
هنالك انطباع عام آخذ في التزايد بان ظاهرة الفساد لم تعد مقتصرة على ما هو حكومي منها حتى وان كانت الدلائل تؤكد الحجم الكبير لما هو رسمي منها, الا ان قطاع الشركات المساهمة العامة هو الاخر يحتل مكانة متقدمة في هذا المجال, يفترض ان يتم الكشف عن كامل تفاصيلها دون اية مواربة, فالعديد من هذه الشركات حققت خسائر واضحة وهي في عامها الاول والبعض الاخر فقد اسعار اسهمه بتسارع غريب بين معدلاتها المرتفعة عند الاكتتاب وانخفاضها الى ما يصل الى خمس ثمنها او اقل خلال فترة قياسية.!
وهنا يبرز سؤال جوهري حول دور الاجهزة الرسمية الرقابية المخولة بضبط المخالفات لمواد قانون الشركات ومن اهمها دائرة مراقبة الشركات المرتبطة بوزارة الصناعة والتجارة عن طريق متابعة اعمالها اولا باول, وكذلك الحال بالنسبة للرقابة الداخلية التي من اهم المسؤوليات المناطة بها هي تلافي حدوث الفساد المالي والاداري فيها, لان التشريعات القانونية المعمول بها تنص على تفعيل دور المدقق الداخلي ومتابعة تقاريره وملاحظاته من قبل مجلس الادارة, لان ادارة الشركة هي المسؤولة عن اعداد الانظمة الرقابية وتطبيق بنودها في حماية الموجودات وتحقيق الارباح ! .
هنا يأتي دور المدقق الخارجي ايضا في تقييم مدى كفاءة النظام الرقابي الداخلي, لان الامانة تقتضي من المحاسبين القانونيين ذوي العلاقة عدم التغطية على اية مظاهر يشوبها الفساد في اعمال الشركات المساهمة العامة, فعلى مدقق الحسابات اذا ما اكتشف اي خلل او حصل على معلومات تفيد بوجود احتيال اثناء عملية التدقيق بسرعة ابلاغ المستوى المناسب من الادارة, حيث تنص المادة 200 من قانون الشركات الاردني على انه في حال اطلاع مدقق الحسابات على اية مخالفة ارتكبتها الشركة لقانون الشركات او لنظامها المالي او ذات اثر سلبي على حقوق المساهمين, فعليه ان يبلغ ذلك خطيا الى كل من رئيس مجلس الادارة ومراقب عام الشركات وهيئة الاوراق المالية والبورصة فورا, على ان تعامل هذه المعلومات من جميع الاطراف بسرية تامة لحين البت في المخالفات ! .
لكن كم من التقارير الرقابية التي تصل الى مجالس ادارة الشركات المساهمة العامة يجري التعامل معها بالمسؤولية اللازمة في إدارة شؤونها, وكم منها ما يتم تغييره لتبييض الوجوه التي يلطخها السواد, وكم تتلقى سلال المهملات من اكوام اوراق ممزقة او محروقة تتضمن حقائق في غاية الحساسية, هذا ما ينتظر ان تكشف عنه تحقيقات شبهات الفساد في هذا الشأن
العرب اليوم