كتب: جهاد الرنتيسي/
بدت موازنة الرئيس عون الخصاونة بين ” السياسي ” و ” القانوني ” في حل ما بات يعرف بازمة قادة حماس مقنعة الى حد كبير .
فهي تبعد عن الدولة ، شبهة ابعاد مواطنيها ، دون مسوغ قانوني ، ولا تحملها مسؤولية عودتهم ، دون تخليهم عن مواقعهم القيادية ، في تنظيم غير اردني .
لكن القضية ، التي لم يتوقف الحديث حولها ، منذ مغادرة خالد مشعل ورفاقه الاردن ، وان تراجع الاهتمام بها بين حين وآخر ، تجاوزت البعدين ، اللذين يحرص رئيس الحكومة الآتي من اهم محكمة دولية على مراعاتهما ، بانتقالها الى صميم نظرة الاردنيين لمستقبل كيانهم.
بطبيعة الحال , لم يأت التجاوز من فراغ , بقدر ما هو نتيجة , لتداخل عوامل محلية واقليمية , في لحظة تحولات ، لها بعدها الكوني , مما اظهر مقاربة الخصاونة , وكأنها بعض تجليات الاستجابة لمتطلبات تجاوز ” تسونامي ” التحولات السياسية العربية , باقل كلفة ممكنة .
اللافت للنظر ، ان جماعة الاخوان المسلمين ، بمختلف فروعها ، لعبت الدور الابرز ، في احداث التجاوز ، الذي تعاطي معه الخصاونة ، بواقعية تثير انتقادات بعض الاوساط السياسية.
فقد كان من بين تجليات هذا التجاوز ، اعلان التنظيم العالمي لجماعة الاخوان المسلمين ، حركة حماس ، تنظيما لها في الاراضي الفلسطينية ، الامر الذي ينطوي ، على تحولات في رؤى الحركة ، وطريقة تفكيرها ، واساليب عملها .
كما يعني متغيرات جديدة ، على طبيعة علاقة التنظيم العالمي ، الذي يتركز عمل فروعه ، في الدعوة والاصلاح مع الحركة ، التي تبنت المقاومة ، ما يقارب العقدين ونصف العقد .
ترافق هذا التحول ، مع ظهور مصطلحات جديدة ، في الخطاب السياسي ، الذي تستخدمه قيادة حماس ، كالمقاومة الشعبية ذات الاشكال السلمية ، الامر الذي اعتبر تجاوبا ، مع اطروحات قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية ، وضرورات المصالحة الوطنية .
في المقابل ، عملت جماعة الاخوان المسلمين في الاردن ، على القيام بخطوة موازية ، لفك الارتباط مع حماس ، باتخاذها قرارات اقتصار عضوية مجلس الشوري على الاردنيين .
وكان من الطبيعي ، ان تحدث خطوة جماعة الاخوان المسلمين في الاردن , التي انهت على الاغلب ما كان يعرف بتنظيم بلاد الشام ، شكلا جديدا ، من جدل الاوساط السياسية الاردنية ، حول هذه المسألة .
بعض تجليات الشكل الجديد من الجدل، تمثل في مطالبة الجماعة ، بخطوات اضافية ، مثل الاعتراف بقرار فك الارتباط بين الضفتين ، والدعوة الى دسترته ، فيما اخذت بعض التجليات ، فهم ترتيبات الجماعة ، باعتبارها شكلا من اشكال التسليم بفك الارتباط ، وابقى رد قيادة الجماعة على هذا السجال ، الباب مواربا امام تعدد التفسيرات ، مع اكتفائها بالاشارة الى ان الترتيبات الجديدة ، لا تعني الانغماس في المحلية ، وتجاهل القضية الفلسطينية .
الاحتمالات التي يفضي اليها ، جدل العلاقة بين حماس والاخوان ، يفتح افاقا جديدة ، امام جدل كان غائبا ، عن مخيلة الاوساط السياسية العربية ، بما في ذلك الشارع السياسي الاردني .
ففي السنوات الماضية ، اعتادت جماعة الاخوان المسلمين في الاردن ، منافسة القوى اليسارية والقومية ، على المطالبة بالغاء معاهدة السلام ، التي اصطلح على تسميتها بمعاهدة وادي عربة ، وتراس احد قيادييها لجنة مقاومة التطبيع.
لكن الامر بات محل تساؤل ، مع اعلان الاخوان المسلمين في مصر ، استعدادهم للتعايش ، مع معاهدة كامب ديفيد .
ياتي التساؤل ، من الظروف التي اعلن فيها اخوان مصر عن موقفهم ، والمتوقع ان تتوفر ظروف مشابهة لها في الاردن ، مع اعلان حزب جبهة العمل الاسلامي ، في مؤتمر الشورى الاخير ، عن استعدادات الحركة الاسلامية ، للمشاركة في السلطة .
تراكم هذه المؤشرات ترك انطباعا في الاوساط السياسية بان المرونة التي تتمتع بها جماعة الاخوان المسلمين ستتيح لها ما هو ابعد من الحفاظ على علاقة تعايش مع اسرائيل .
قد تصل هذه المرونة ، الى حد التوصل لصيغة تسوية ، لا تتجاوز الحدود المؤقتة ، التي كانت حماس قد اعلنت استعدادها ، للقبول بها في وقت سابق .
والخطورة في هذا الطرح ، انه يتيح للجانب الاسرائيلي ، التهرب من استحقاقات التسوية الدائمة ، و يساعد على الاستمرار في سياسة فرض الامر الواقع .
دعوات عودة قادة حماس الى الاراضي الفلسطينية ، في حال خروجهم من سوريا ، بدلا من البحث عن تخريجات عودتهم الى الاردن ، كانت تعبر عن حالة القلق، التي اثارتها هذه المقدمات .
ورغم طابعها المناكف لم تخل هذه الدعوات من الوجاهة ، فلم تعد العودة الى الاراضي الفلسطينية مثلبة ، بعد قافلة الشهداء والاسرى من العائدين ، بناء على اتفاق اوسلو ، وفي الضفة والقطاع قيادات حمساوية لا تقل من حيث الاهمية عن خالد مشعل ورفاقه .