ليست كل الملفات بيد الحكومة فعلياً، لان هناك توجهات معينة للحكومة، تم الاعلان عنها، ثم التراجع عنها، بشكل تدريجي، اعتماداً على ان الناس بلا ذاكرة وسرعان ما ينسون ماقد قيل، والتراجع بحد ذاته يقول الكثير.
الحكومة لديها الرغبة بحل عقدة ملف جمعية المركز الاسلامي الخيرية، واعادة الجمعية الى الاخوان المسلمين، والاخوان تفاءلوا ووضعوا شروطهم لتصحيح اختلالات الهيئة العامة، وغير ذلك من شروط ورغبات.
الوزيرة المختصة دخلت على الخط، ايضاً، وقالت ان ادارة الجمعية خلال السنوات الماضية لم تكن شرعية، لان القانون لا يسمح الا بادارة مؤقتة لبضعة شهور، وعلى هذا مهّدت لاعادة الجمعية، لكنها نسفت شرعية كل قرارات الهيئة المؤقتة خلال السنوات الماضية.
فجأة ومن غامض علم الله، يتبدى خط التباطؤ والتراجع، فتخرج الحكومة وتعلن ان الامر بحاجة الى وقت اطول، وان هناك تعقيدات في الملف، وان اعادة الجمعية تحتاج الى اجراءات ادارية، وهذا كله يقول انه تم التراجع فعلياً عن اعادة الجمعية بشكل غير مباشر.
في قصة اخرى قرأنا تصعيداً في التصريحات حول قرب قدوم خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الى عمان، وتحدث مسؤولون لدينا عن الزيارة المرتقبة، وانها ستجري هذا الاسبوع، ويمر اسبوع تلو اسبوع، فلا يأتي الرجل، ولا تأتي اخباره.
تندفع الحكومة باتجاه تصحيح العلاقة مع حماس، ويصف الرئيس خروج مشعل من الاردن بأنه كان خطأ دستورياً، لان مشعل اردني ولا يجوز اخراجه، وتحتفل حماس بالتصريحات، وترد على الحسنى، بأحسن منها في تعبيراتها عن العلاقة المقبلة.
فجأة ومن غامض علم الله، ايضاً، يتبدى خط التباطؤ والتراجع، فتبرر كل الاطراف تأخير الزيارة بأسباب لوجستية تارة، وبأسباب غير مقنعة تارة اخرى، ويخفت الحديث عن الزيارة تدريجياً، وتضعف فرصة الزيارة الى درجة الاضمحلال، ان لم نكن مخطئين.
علينا ان نلاحظ ان التصعيد الحكومي باتجاه تعبيرات اسلامية داخلية وعربية، تتم مقابلته بعرقلات سياسية، وكلما رفعت الحكومة من مؤشرات الاقتراب من خطوط معينة، كلما اثبتت الايام، ان ما بعد ذلك هو تباطؤ وهبوط وتجميد وتراجع.
هذا يعني ان هناك اختلافات في عقل الدولة المركزي ازاء ملف الاسلاميين تحديداً بتعبيراتهم الاردنية والفلسطينية ايضا، وهذا يؤكد المعلومات التي تقول ان هذه الاختلافات ايضاً موجودة داخل ذات الفريق الوزاري الذي له اراء متناقضة ازاء هذه الملفات.
من حق الحكومة ان تخط الدرب الذي تريده، غير انه ليس من المناسب، بلورة مبادرات حكومية ثم التراجع عنها، بما يشي ان القرار ليس حكومياً منفرداً، او ان القرار تتم عرقلته، او التحفظ عليه.
من الاولى ربما ان يكون هناك تنسيق مسبق، بما يؤدي الى بلورة قرار متفق عليه او مبادرة ُموّحدة، لا تتعرض لاحقاً الى التفتيت او التجميد.
الاعلان عن مبادرة، ثم عدم القدرة على بلورتها او الدفاع عنها، او الاستمرار بها حتى النهاية، دليل ساطع على تطبيقات الميدان، بشأن الولاية العامة التي تظهر فرقا كبيراً بين الكلام والواقع، في ملف الاسلاميين على وجه الحصر والتحديد.
الدستور