استفزني أحد الزوار الغربيين حين كنت وزيراً للخارجية بقوله أن الأردن يتساهل كثيراً مع الحركة الإسلامية وأن الأردن بهذا المعنى سيبقى مثل هذه الحركة غريب على العصر وعصي على الحداثة. واعترف أنني أجبته بحدة وصلت حينها حد التوبيخ. أجبته أن مثل هذا الأمر ليس من شأنه وأنه لا يحق له التدخل في الشؤون الداخلية للدولة الأردنية. وأضفت حينها أنني، وعلى الرغم من كوني مسيحياً من حيث الانتماء الديني والعقيدي إلا أنني مسلم من حيث لغتي وحضارتي وأسلوب حياتي وكيفية تربية أبنائي وثقافتي وعاداتي وأنني أفتخر بهذا الجزء العظيم من هويتي وانتمائي إليه وأنه مكون أساسي من شخصيتي وقلت وإنني إذ أتصدى للدفاع عن الإسلام والمسلمين إنما أدافع عن حضارتي وأمتي التي أنتمي إليها وأضفت قائلاً أن من آذى مسلماً فقد آذاني.
فتاريخي هو تاريخ العرب والإسلام. والرسول (ص) قمة نتاج عبقرية هذه الأمة التي جعل فيها بإعجازه حضارة لربما هي اليوم الوحيدة التي تقف موقف الند للند للحضارة الغربية. صحيح أننا بحاجة إلى التقدم من النواحي التكنولوجية ولكن حضارتنا العربية الإسلامية بمضامينها الروحية والإنسانية تضاهي، لا بل تتفوق على جميع الحضارات الأخرى بما في ذلك الحضارة الغربية التي تزاحمنا اليوم فكرياً واستراتيجياً وتفرض علينا ما لا نريد بما في ذلك دولة إسرائيل الصهيونية.
وفي حديثي مع الزائر الغربي الذي جائني في أعقاب مؤتمر مدريد عام 1991 ذكرت له أن الفسحة السياسية الموجودة في الأردن للحركة الإسلامية، وغيرها من الحركات والعقائد هي حق لا منة ولا مكرمة من الأردن ولا من غيره من الأنظمة التي توجد فيها حركات إسلامية. وأضفت حينئذٍ أن الشيخ عبد المنعم أبو زنط إبن خالي وأن الشيخ عبد اللطيف عربيات إبن عمي وأن الدكتور ارحيل الغرايبة إبن عمتي وأن فلاناً من الحركة الإسلامية أخي وزميلي وصديقي وقريبي وأنه لا يجوز لأحد أن بعبث بهذه الحقائق والأحاسيس التي هي جزء من نسيجنا الفكري والحياتي والاجتماعي.
كل هذه الأفكار والأحاسيس تواردت إلى ذهني وفكري وأنا أتأمل في صورة شاب في الصفحة الأولى من الرأي يحمل الكلاشنكوف فوق هامته وهو على رأس المظاهرة التي خرجت من الجامع الأموي الحسيني قلب عمان يوم الجمعة 30/12/2011. وقد تأكدت بعد الاتصال بصديق من الحركة أن هذه الصورة لا تمت بصلة إلى حركتهم التي اعتمدت النهج والطرح السلمي في تحركاتها وأن هذا النهج الاستراتيجي غير قابل للتحول ولن تعود عنه أبداً.
ولكن ومع ذلك شعرت بالحزن والأسى لهذا المنظر وسألت نفسي وضد من يرفع هذا الشاب السلاح؟ أهو لتحرير فلسطين أم ضد من؟ راعني جداً أن نرفع السلاح على بعضنا البعض.
لا شك أن لكل إنسان حقه في أن يعبر عن رأيه وأن مثل هذا الحق أمر طبيعي لا مكرمة ولا منه من أحد. ولكن صحيح أن رفع السلاح لا يجوز إلا مع الأعداء. وأننا في هذه الأرض الطاهرة التي تتفيأ ظلال القدس الشريف مجتمعين أردنيين وفلسطينيين لا يجوز وأن نرفع السلاح يوماً إلا ضد العدو. وإذا ما كان من بد لنا أن نرفع السلاح فلنرفعه حين تتم العدة وتأتي الساعة لهذا الأمر.
وأُذكر أن الأردن اليوم وفي أجواء ما أصبح يسمى بالربيع العربي، والذي أعتقد أنه على مدى المستقبل المنظور قد زاد من هزال الأمة وضعفها أنه الدولة الوحيدة المتماسكة حول إسرائيل. وإنني ورغم إيماني أن هذا الربيع قد حطم حاجز الخوف والرعب من الأنظمة، وأنه أطلق طاقات كانت مكبوتة وكامنة في الأمة إلا أنني غير واثق بعد لا من دوافعه ولا من يدفعه ولا من أهدافه.
فالأهداف بيننا في نهاية الأمر واحدة تتدرج من ضرورة احتواء إسرائيل بداية والعمل بعد ذلك على إضعافها وإنهاكها. مثل هذه الأهداف متفق عليها وإذا ما كان هناك من اختلاف فهو في التوقيت والأسلوب فقط.
وإذا ما كان هناك من حاجة لرفع السلاح فيجب ألا يتم ذلك إلا في وجه أعداء الأمة وأحسب أن في قادة الحركة الإسلامية من الحكمة والدراية وحسن التدبير ومن الوعي والإدراك أن تتم تحركاتهم وسياساتهم ضمن هذا الإطار.
لا أعتقد أن هناك من حاجة للتذكير بالعواصف والزلازل التي تعصف بأمتنا اليوم ولا في توقيتها ولا مضامينها. أنا شخصياً لا مشكلة لدي في أن يحلم البعض في قيام مجتمع يحكمه الإيمان ولا مشكلة لدي في المترتبات بعد ذلك أيضاً. كما وأنني أحسب أن لا مشكلة لدي كذلك في طرح شعار الإسلام هو الحل وإن كنت أعتقد أن على القائمين على طرح مثل هذا الشعار توضيح مضامينه ومترتباته وأحسب أن في قيادات الحركة الإسلامية الأردنية من الحكمة وبعد النظر ما يمكنهم فعلاً من توضيح ذلك. فالمرحلة التاريخية تضع علينا عبء أن نتخطى الأحاسيس والمشاعر وأن نصبر على ما نحن فيه وأن نتعاون لاستبداله بما يرضي الله وضمائرنا ويرعى حقوقنا وحقوق أبناءنا من بعد.
كانت العلاقة بين الدولة الأردنية والحركة الإسلامية صحية وصحيحة منذ قيام الدولة الأردنية وأذكر أن الملك عبدالله الأول هو من افتتح الفرع الأول للحركة في وسط عمان وأنه طلب من الشيخ سعيد رمضان المصري والذي حضر ذلك الافتتاح أن يصبح وزيراً في الدولة الأردنية.
صحيح أن العلاقة على مدى تاريخها شاهدت مداً وجزراً ولكن صحيح أن مثل هذا الحال كان يتم بعيداً عن اللجوء إلى السلاح. صحيح كذلك ما تطلبه حركة الأخوان المسلمين من ضرورة الإسراع في وتيرة الإصلاح والقضاء على الفساد والمفسدين والعدل الاجتماعي. حتى وقت قريب كان الأردن ربما البلد الوحيد في العالمين الإسلامي والعربي الذي تتمتع فيه حركة الإخوان بحرية الاجتماع والحركة والدعوة وإذا ما كان في هذه اللحظة التاريخية من خلاف فالمرجو أن يتم هذا الخلاف ضمن الأجواء الدافئة التي نرجو العلي القدير أن يديمها علينا جميعاً وأن نتذكر أن في الصدام خسارة على جميع الأطراف.
مطالب الإصلاح عادلة كلها صحيحة ولكن علينا معالجتها بالحكمة وبالتي هي أحسن إذ أن الدمار إذا ما حصل دمار لا سمح الله فسيكون على الجميع وأن في مثل هذا الدمار مصلحة حيوية لإسرائيل التي نجحت أصابعها الخفية في تقسيم السودان والعبث بنا وبأرواحنا في تونس ومصر واليمن وهي تفعل اليوم ما تفعله في سوريا كذلك. نحن جميعاً مستهدفون وهذا أمر علينا جميعاً أن نتنبه له.
ولنتذكر أن بنائنا بحاجة إلى التماسك وأن اقتصادنا هش وأن ما نشعر به من أمان واستقرار يعود بالدرجة الأولى إلى معالجة أمورنا بالحكمة والتواصل الواعي ما بين الحاكم والمحكوم وأنه وإن حصل بعض الشطط أحياناً هنا وهناك إلا أن أمور الأسرة الأردنية سرعان ما تعود إلى حالها الطبيعي بعد ذلك.