لأول مرة، تتولى زميلة صحفية رئاسة تحرير صحيفة يومية كبرى، ناطقة بالعربية.
جمانة غنيمات باشرت مع مطلع السنة مهامها كرئيسة تحرير للزميلة “الغد”…مبروك للزميلتين: الصحفية والصحيفة…ونذكّر هنا أن زميلة عزيزة أخرى، كان لها “قصب السبق” في تولي رئاسة تحرير صحيفة يومية محترمة، ناطقة بالإنجليزية، رنا الصباغ والجوردان تايمز…كما يجدر التنويه للدور الذي لعبته الزميلة مها الشريف، من موقعها كرئيسة لتحرير أسبوعية “ذا ستار” التي كانت تصدر عن مؤسسة الدستور وهي الان مديرة تحرير في جريدةالدستور، .
مثل هذا التطور يدعو حقيقةً للترحيب والارتياح، فالمرأة الأردنية تشق طريقاً واسعاً في حقل الصحافة والإعلام، أعداد العاملات في تزايد، ونسبتهن المئوية في ارتفاع، وأدوارهن القيادية آخذة في التوسع، ولم يعد وجودهن في هذه المؤسسة أو تلك، من باب “لزوم ما لا يلزم”، أو مجرد إضافة “أنثوية” أو “تجميلية” لا أكثر ولا أقل.
لقد اعتاد رؤساء تحرير صحفنا اليومية إخلاء مقاعدهم لمدة يوم في السنة (يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار)، حيث يجري اختيار زميلة لتتولى شكلياً ورمزياً، منصب رئيس التحرير…وإذا كان المقصود بهذا التقليد التكريمي، التذكير بالحاجة لدعم دور النساء في الصحافة ووسائل الإعلام، فإن تعاقب السنين قد أفرغه من أي مضمون، وجعل منه خطوة فائضة عن الحاجة، سيما وأنه لم يرتبط بخطط وبرامج للنهوض بدور “الزميلات” في الصحافة والإعلام.
وفي ظني، أن الاستمرار بممارسة هذا التقليد، لم يعد أمراً ضرورياً بحال من الأحوال….ونتمنى أن تجري الاستعاضة عنه، بخطط وبرامج تتبناها إدارات الصحف لتعزيز مكانة “الزميلات” القيادية في هذه المؤسسات…وممن أعرف من الزميلات، لدينا من الكفاءات والخبرات، ما يكفي لتأهيل العديدات منهن، لتولي مواقع قيادية مختلفة.
والمأمول حقاً أن يشكل قرار تعيين الزميلة جمانة غنيمات رئيسة لتحرير “الغد”، حافزاً للزميلات والإدارات سواء بسواء…للزميلات لبذل مزيد من الجهود والمثابرة على دروب “مهنة المتاعب”…وللإدارات لتخطي ما تبقى من حواجز “الذكورية” وسدودها التي ما تزال تحول دون ارتقائهن على سلم الوظيفة والقيادة.
خلال الثلاثين عاماً الفائتة، هذه هي المرة الثانية التي أكتب فيها مرحباً بنجاحات حققتها زميلات في حقل الصحافة والإعلام…لكن شتان بين الحالتين…المرة الأولى، كانت في أواسط الثمانينيات، عندما انضمت زميلة إلى “أسرة تحرير” مجلة الهدف الفلسطينية، التي كانت تصدر من دمشق تلك الأيام….أذكر يومها موجة التعليقات الخفيفة والمستخفة التي أثارتها الخطوة، والصادرة للأسف عن زملاء و”رفاق” في تنظيم يساري، لم يفوّت “8 آذار” منذ انطلاقته، من دون أن يعيد تذكيرنا بأهمية تحرر المرأة وتحريرها….أسوأ تلك التعليقات الجارحة، تلك التي أصر أصحابها على تشديد “الراء” في “أسرة”، إمعانا في تكريس “الصورة النمطية الرائجة” للمرأة.
اليوم، لم تعد عضوية نادي رؤساء التحرير مقتصرة على الذكور…”الغد” كسرت القاعدة، والزميلة غنيمات استوفت أوراق اعتمادها، وعمّا قريب سيعتاد الوسط الصحفي على وجود “الزميلات” في مواقع القيادة في إدارات الصحف، والمأمول أن تنتقل هذه “العدوى” إلى نقابة الصحفيين، التي ما زالت عضوية مجلس إدارتها أو تكاد تكون مقتصرة على الذكور، مع بعض الاستثناءات التي تكرس القاعدة ولا تنفيها.
الدستور