الإصلاح نيوز- خاص- مروة العقاد/
تفاقمَ حجمُ التخوف من التجمعات الشبابية في ظلّ الربيع العربي أضعافاً، فأصبح المراقبون لتلك التجمعات يتساءلون؛ تُرى، ما هي المطالبة القادمة؟
بالمقابل؛ هناك تجمعات لم يلتفت لها الكثير بعد! أو لَمْ يُعيروها الأهمية المطلوبة، وإنّما اكتفوا بإنكارها، بحسب رُوّادها، بدأت قبل الربيع العربي بسنين قليلة، ولا تزال مستمرة، تجمعاتٍ لفئاتٍ مُنتشرة على ثُلّةٍ من المقاهي المُختارة من قبلهم لإتمام أعمالهم، وفي بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، معظم هذه التجمعات من الشباب، الساعي إلى تحسين اقتصاده، بأقل جُهدٍ وتَكْلفة، من خلال التسويق الشبكي “network marketing”، القائم على الدعاية الكلامية، فيُسجل الراغبون بالعمل به عضويتهم بإحدى شركاته العالمية، ليُسَوّقوا بعد ذلك مُنتجات الشركة، بهدفِ جلبِ عُملاءٍ إضافيين، ينضَوون تحت المُسَوّق الأول، مع الحصول على نسبةٍ ماليةٍ تزدادُ بازدياد عدد العُملاء، المُمتدين بشكلٍ شبكي.
يُعَد التسويق الشبكي؛ الوسيلة التي أتاحت للأفراد، وخاصّة الشباب، بدء تجارتهم الخاصّة دون عقبات، فيصارعوا من خلالها تكاليف الحياة، ويتخلصوا من همّ انتظار وظيفة الأحلام.
لكن؛ ومع كل الانتشار الذي لاقته هذه التجارة، حيث فاق عدد المُروّجين لها المليونين ونصف المليون، حول أكثر من 160 دولة، إلاّ أن الجدل لَم ينتهِ بشأنها بعد، فلا يزال النقاش يدور حول حرمتها، أو جوازها، حتى أنّ كثيراً من علماء الدين التزموا الصّمت حيالها، خوفاً من إصدار حكمٍ يندمون عليه.
يُذكر أنّ أحد المواقع المُتخصصة في بهذا المجال؛ نقلت بعضاً من الحوارات التي تمّت بين معارضين ومؤيدين، فكان منها تعليق أحد المعارضين “هذا العمل أكلٌ لأموال الناس بالباطل، فلا يمكن لهذه البرامج أن تنمو إلاّ بوجود من يخسر لمصلحة من يربح، سواء توقف النمو أم لم يتوقف، ومآله إلى التوقف عندما يصل السوق إلى درجة التشبع من السلعة المباعة، فالخسارة وصف لازم للمستويات الأخيرة في جميع الأحوال، و بدونها لا يمكن تحقيق عمولات خيالية للمستويات العليا، والخاسرون هم الغالبية الساحقة، أما الرابحون فهم قلة، أي أن القلة كسبوا مال الأكثرية بدون حق! فما يربحه البعض هو ما يخسره الباقي، وهذا يسمى عند الاقتصاديين التعامل الصفري؛ وهو التسويق الهرمي الذي حكم الغرب على وجه الخصوص بمنعه، حين تبين ما فيه من تغرير وخداع.
فجاء الرّدُ من أحد المؤيدين “هناك فرق بين التسويق الهرمي والتسويق الشبكي؛ فكما أن الغرب منع الهرمي، فقد أجاز الشبكي، وهناك فروقات كثيرة بين النوعين يعلمها أهل الاختصاص، أهمها أن التسويق الهرمي لا سلعة فيه، إنما المشترك يدفع المال مقابل لا شئ، ثم يحرص كل مشترك على جلب مشتركين آخرين للقيام بنفس الأمر، مقابل عائد مادي يقل تدريجياً بتتابع المستويات، الطبقات المتسلسلة في النظام الهرمي، وهو بذلك أشبه بالمقامرة أو الميسر، و لا بيع فيه. أما التسويق الشبكي؛ فهو قائم على أساس الترويج والتسويق للمنتجات التي تبيعها الشركة، مقابل الاستغناء عن أساليب الدعاية التقليدية عبر وسائل الإعلام المعروفة، فتتحول تكاليف الدعاية والإعلان إلى عمولات يكسبها الزبون، المشترك، مقابل قيامه بالدعاية والتسويق، ثم إن كل مشترك جديد يدفع ثمن السلعة التي يشتريها، ويستفيد منها، ولا يمكن أن يتوقف النمو ما دامت هناك سلعة متجددة، إلاّ إذا توقف المشتركون جميعاً عن الترويج، وبالتالي هم لا يستحقون شيئاً.
وكان من الآراء المعارضة كذلك “السلعة في هذا النظام ليست إلاّ غطاء للتسويق الهرمي، بهدف الاحتيال على الشرع والقانون، وجعل الممنوع جائزا! والدليل على ذلك؛ أن المشتركين لا يشترون السلعة لأجل السلعة، بل للاستفادة من أرباح الترويج، وطمعًا بالمكاسب الكبيرة، فتكون الشركة بذلك مروّجة لسلعتها بالغرر، و هو بذل المال مقابل عوض يغلب على الظن عدم وجوده أو تحققه على النحو المرغوب، سواء كانت السلعة ذات قيمة أم لا، أو كانت تستحق سعرها أم لا، وسواء استفاد منها المشتري أم لا، ولذلك فإن المشتري يغري المرشح الجديد بالعمولات الضخمة التي يمكن تحقيقها، ما يدفعه لشراء تلك السلعة، ويتم التسلسل على هذا النحو، فالقصد بالغالب؛ طلب الكسب وليس السلعة” .
فكان الرد “ينبغي أن يتم التعامل مع هذه المسألة على نحو من الخصوصية، أي أن نفرق بين الشركات بناء على نوع المنتجات، وهذا أمر مُتفق عليه، فالشركة التي تكون سلعتها بلا قيمة ولا نفع، نعلم من ذلك أنها فقط تسعى للربح، وإغراء الآخرين، وليست السلعة هي الأساس في عملية التسويق، فنحكم بمنعها لهذه الشبهة. أما الشركة التي تكون سلعتها ذات قيمة ونفع متحقق، فلا نمنع تسويقها والترويج لها، إن توافرت شروط الجواز في بقية معاملاتها، أما أن نعمم المنع لسبب خاص يمكن التفصيل فيه؛ فهذا أمر لا نتفق فيه، ولا نوافق عليه. والذي يحدد ما إذا كانت السلعة ذات قيمة أم لا؛ هو الواقع، والتجربة، والمنطق السليم، مع مراعاة التفاوت بين الأشخاص في حصول المنفعة وقدرها، فهي بذلك أمر نسبي”.
من أولى الشركات التي لاقت رواجاً في أوساط الشباب أردنياً، هي شركة “كيو نت”، التي تأسست عام 1998، ومقرها هونج كونج، بدأت نشاطها في الأردن عام 2007، فعرضت مجموعة من المنتجات عبر موقعها الإلكتروني، كالعملات المعدنية، والميداليات، ومنتجات الطاقة والعناية بالصحة، والساعات، بالإضافة إلى مجموعة من الخدمات السياحية، وخدمات الاتصال.
تعتمد “كيو نت” التسويق الشبكي كوسيلة مباشرة للوصول إلى زبائنها، والتسويق الشبكي بشكل عام؛ هو الوصول إلى الزبائن من خلال البيع المباشر، حيث تستغني الشركة عن الصرف على الإعلانات، وتستفيد من الدعاية الشفهية التي يمارسها الزبون بنفسه، فتمنحة عمولات على المنتجات التي تباع من خلاله، وفي كيو نت، يُمنح الزبون، أو المُروّج 250 دولارا بعد أن يقنع ستة زبائن غيره بشراء إحدى المنتجات ومن ثم الاشتراك، ويكون رسم الاشتراك 500 دولار شاملاً سعر المنتج، وهكذا يُكوّن المشتركين الجدد شبكة متوازنة من يمين وشمال المُروّج، وكلما تشكل 6 مشتركين آخرين من خلاله، أو من خلال عملائه، كلما حصل على 250 دولار أخرى.
هذه هي فكرة التسويق الشبكي باختصار، والذي لا تزال صورته ضبابية عند كثيرين، فلا يزال يتأرجح ما بين متقبل ورافض، فمتى يذوب الثلج ويبان المرج؟!
رامي ماجد، 24 عاماً، التحق عن طريق صديق مقرب له للعمل بشركة “كيو نت” في العام 2008، ولم يكُن مقتنعاً بالفكرة، لكنّه قام بذلك مجاملةً لصديقه، إلا أنه بعد عامٍ من عمله لاحظ تطورات مذهلة حلّت به، على المستوى المادي والشخصي كذلك، وهو الآن مدينٌ لصديقه لأنه ساعده بالتعرف على هذه الشركة الرائعة، بحسبه.
ماجد، الذي استطاع بعد ثلاثة أعوامٍ من العمل في التسويق الشبكي، أن يبدأ مشروعه الخاص، الذي لطالما حلُم به، وهو مقهى بأفكارٍ جديدة مليئةٍ بالصّحة والحياة، يقول “من يلتحق في هذا المجال، يمتلك مع الأيام طريقة تفكير مختلفة عمن حوله، فيصبح شخصاً إيجابياً، وطموحاً، بل يصبح قادراً على تنفيذ أحلامه، فيُرتبها بجدولٍ، ويبدأ بها الواحدة تلو الأخرى”.
لا يُنكر ماجد أن طبيعة هذا العمل صعبة، وأنّهُ بحاجة لجهدٍ كبيرٍ، ووقتٍ طويل، مُعلقاً “ينضم للعمل شباب بطموحاتٍ مرتفعة جداً، يعتقدون أنّ هذه شركة خيالية سوف تُمطر عليهم المال! وهذا غير صحيح، فالطريق صعب، ويتطلب نوعاً من المواجهة، والتحدي، وكذلك حُسن التفكير”.
ويقول معتصم عليوي، 21 عاماً “بدايتي مع التسويق الشبكي، كانت قبل حوالي العام، تحديداً مع شركة “كيو نت” والحقيقة أني أعتبر يوم التحاقي بهذا العمل، هو يوم ولادتي، فقد أضاف لي الكثير، سواء شخصياً، أو اجتماعياً، أو مادياً، حتى أني أصبحت أرسم خططاً سريعة التنفيذ للمستقبل الذي أحلم به، وحققتُ جزءاً منها”.
وينصح عليوي كلّ شابٍ يحلمُ بتنفيذ مشاريع ما، لكنّهُ يفتقرُ لرأس المال الكافي، أن يلتحق للعمل بمجال التسويق الشبكي، فمن خلاله سيجمع المال اللازم، بأسرع الطرق، وأسهلها.
ويضيف عليوي؛ أنّهُ من خلال عمله هذا استطاع أن يُبرهن لنفسه ولمن حوله أنّه ليس صغيراً، وأنّهُ قادرٌ على بناء نفسه بنفسه، دون مد يد العون لغيره، حتى لو كان والده.
أمّا هاني الجنيدي، 25 عاماً، الذي يعمل في شركة GDI، يقول “عرفت بالشركة من أصدقاءٍ لي، وتشجعتُ للعمل بها، لكني لاحظت أنها لم تلقَ ذاك الترحيب بين فئة كبيرة من الشباب، فقد أجمع جميعهم على توقع أن تكون من تلك الشركات “النصّابة”، والتي سُرعان ما تختفي، دون سابق إنذار”!
وعن طبيعة عمل الشركة، التي لا تختلف عن مثيلاتها من حيث المبدأ، يبين الجنيدي أن منتجها الوحيد هو موقع إلكتروني، بعد دفع مبلغ مالي بسيط، ثم مقابل كل شخص ينضم للشبكة، عن طريق المُسوق الأول ومن بعده بالشبكة؛ يوجد نسبة معينة من الأرباح، مبيناً أنّ الربح يكون بشكل شبكي، فكل شخص أول، لديه شبكة من الأشخاص، كلما ازدادت هذه الشبكة، كلما ازداد الربح.
بالمقابل؛ يوجد من يعارض هذا النوع من التجارة، فيقول محمد عوّاد، 30 عاماً “من خلال تعاملي مع الشباب الذين يمتهنون مثل هذا العمل؛ وجدتُ أنّ غالبيتهم لا يُظهرون الحقيقة، بل يختلقون قصص نجاحٍ كاذبة من أجل تشجيع مَن حولهم للالتحاق بالعمل، وبالتالي زيادة نسبة الأرباح”.
ويبين عوّاد أنّ هذه التجارة، تقوم على فلسفة بيع الأحلام، فالجميع يحلُم بالثراء بأسرع الطرق الممكنة، وبأقصرها زمناً، وأقلّها جهداً، لكن الحقيقة أنهم يدخلون إلى عالمٍ وهمي، بعيد عن الصحة، قد يكون فيه جزءٌ من الربح، لكن للبعض. وأكّد أنه من المستحيل أن ينخرط بمثل هذه التجارة، فهو لا يؤمن بإمكانية الحصول على ربح سريع وبجهد قليل! وإلا لسيطر حيتان الاقتصاد على هذا النوع من التجارة.
كان سليم العمري، 21 عاماً، يتبنى رأي عواد كذلك، لكنّهُ أراد تجربة هذه التجارة من أجل الفضول لا أكثر، وسرعان ما غير موقفه تجاهها، حيث يقول العمري، الذي مضى على تجارته في مجال التسويق الشبكي ما يقرب نصف العام، في شركة كيو نت، إنّه سمع عن هذه التجارة عن طريق أصدقائه، لكنه لم يقتنع بها، وأخذ وقتاً طويلاً من التفكير حتى التحق إلى أصدقائه وشاركهم العمل، ففوجئ بروعته، وبصدق ما يُحكى عنه!
يُضيف العُمري “هذا العمل لم يحسن حالتي المادية فحسب، بل حسّن شخصيتي، وطوّر من أسلوب تعاملي مع مَن حولي، لقد أصبحت شخصية متحدثة، وواثقة من كل خطوة تخطوها”.
ويقول أنس عطّاري، 22 عاماً، “التحقت بشركة “جولد ماين” قبل حوالي العام، حدّثني عنها أحد الأصدقاء عبر الإنترنت، ولم يكن لي هدف حين التحقت بها سوى الفضول لكل جديد”.
يؤكد عطّاري أنّ هذا العمل يضيف للشخص “كاريزما” خاصة تُمَيزهُ عمّن حوله، وينصح كل شاب الانضمام لهذا العمل كي يحقق كلاًّ من المكاسب المادية والمعنوية.
وعن شركة جولد ماين؛ فقد بدأت نشاطها في النرويج عام 2000، ثُم انطلقت لباقي العالم كي تمارس عملها بشكلٍ رسمي، أمّا منتجها الرئيسي، فهو الذهب.
يجب أن يُدرِك كل ملتحقٍ للعمل بالتسويق الشبكي؛ أنه ليس بالضرورة أن يكون طريقاً سريعاً للثراء، صحيحٌ أنه يجلب الثراء، لكن يحتاج لوقت وجهد كبيران، هذا ما يؤكده فراد جراد، 22 عاماً، وهو أحد العاملين في شركة جولد ماين منذ عامٍ ونصف، ويضيف “ليشعر العامل في التسويق الشبكي بالأمان؛ عليه أن يختار الشركة المناسبة، أي التي تقدم منتجات بسعر السوق، لا مبالغة فيها، وأن تكون هذه المنتجات حصرية للشركة، لا مثيل لها”.
يقول جراد “يُعد التسويق الشبكي ثورة في التجارة، وعملي به غير الكثير في حياتي، سواء مادياً، أو نفسياً، أو حتى ذهنياً. وأجمل ما في الأمر؛ أنّي أصبحت أعتمد على نفسي بالمصاريف، دون طلب العون من أحد”.
إلاّ أنّ مروان زياد، 24 عاماً، لا يوافق هؤلاء المؤيدين بالرأي على الإطلاق، حيث يقول “حاول الكثير من أصدقائي، وأبناء عائلتي إقناعي للانضمام إليهم في شبكة التسويق الشبكي، إلاّ أنّي رفضت وبإصرار، فمهما حققوا من نجاحاتٍ، ومهما حصّلوا من أرقام مالية، فمآلُهُم الخسارة، إن لم تكن هذه نهاية الجميع، فبالتأكيد أنّها نهاية الغالبية العظمى، أما الربح الكلي، فسيكون للحيتان في هذا المجال، والمبتدئين سيندبون حظهم حينها”.
يؤكد زياد أنّ حديثهُ هذا جاء بعد دراسة معمقة لطبيعة هذا العمل، وبعد رؤيته لشباب أصيبوا بخيبات أمل كبيرة بعد انضمامهم للتسويق الشبكي.
الغريب بالأمر؛ أنّ جزءاً لا بأس به من رجال الدين، والاقتصاد، يتجنبون الحديث بهذه التجارة الجذّابة لفئةٍ لا بأس بها من الشباب، وكأنّهم بذلك يتجاهلون تلك الأعداد التي تزداد يوماً بعد يوم لدخول هذا العالم الواعد بالثراء في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة!