مع نهاية العام الحالي الذي يلفظ الآن انفاسه الاخيرة، ارتفعت وتيرة التوقعات المتشائمة بخصوص معطيات العام الجديد الذي يقدر المراقبون المحليون والاجانب ان يشهد الكثير من المصاعب والازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي من شأنها ان تزيد حدة الحراك الشعبي وعنفه، والتباعد ما بين الدوائر الحاكمة، والقوى الوطنية والاسلامية المعارضة•
ويذهب الكثير من المراقبين الاردنيين، والخبراء والدبلوماسيين الاجانب المتابعين للشأن الاردني، الى ان العام المقبل سوف يشهد عدداً من التوترات والاهتزازات التي لا سابق لها، والتي قد تطال مراكز متقدمة في ابنية الدولة، وبما لا يختلف كثيراً عما يجري في باقي دول الاقليم التي تعصف بها المتغيرات الدرامية والانتفاضات المتسارعة•
ويرى هؤلاء المراقبون ان الازمات الاقتصادية والسياسية والادارية مرشحة للمزيد من التصاعد والتعقيد، وللوصول الى مناطق حرجة وحالات قابلة للاشتعال، حيث تؤكد كل المؤشرات ان الاوضاع المالية والاقتصادية تتجه نحو الكثير من التأزم والتعسر، خصوصاً بعدما فوجئت الدوائر الحاكمة بضآلة حجم المعونة المالية التي قررها قادة مجلس التعاون الخليجي في قمتهم الاخيرة للاردن، والبالغة حوالي مليارين ونصف المليار دولار على مدى خمسة اعوام، وبواقع 500 مليون دولار فقط كل عام•
وقد وجدت الحكومة في هذا المبلغ المتواضع نكوصاً خليجياً عما كانت دول المجلس قد التزمت به للاردن في وقت سابق، حيث كانت قد وعدت بتقديم مليار دولار سنوياً، وهو ما دفع حكومة الخصاونة الى رصد هذا المبلغ في مشروع موازنة الدولة للعام المقبل لسد جانب مهم من العجز فيها، ولكن الرياح الخليجية جرت بما لا تشتهي سفن الحكومة•
ومن المتوقع ان تجري المراجع العليا الاردنية تجري في القريب العاجل سلسلة من الاتصالات مع دول مجلس التعاون الخليجي لرفع حجم المعونة الى مليار دولار، وفي حال تعذر الاستجابة لهذا المطلب، فلسوف يتم التوجه الى السعودية بشكل خاص لتعويض هذا النقص، ورفع المبلغ المطلوب والذي يشكل ضرورة ملحة للحفاظ على سلامة الموازنة العامة في حدها الادنى•
ويؤكد المراقبون المحليون والاجانب ان الحكومة لن تشتري الراحة والاطمئنان، حتى لو حصلت على كامل مبلغ المليار دولار، نظراً لانه لن يكون كافياً لانهاء الازمة المالية الخانقة التي سوف تضطر الحكومة آخر الامر الى ممارسة الرفع التدريجي للدعم المقدم لعدد من السلع والخدمات المهمة، وهو ما يعني ارتفاع اسعار المحروقات والماء والكهرباء وغيرها كثير مما سوف يثير نقمة الطبقات الكادحة والمتوسطة، ويدفعها لمضاعفة حراكها وتصعيده في الشارع الشعبي على نطاق المدينة والقرية والبادية، ودون ادنى تهيب او تردد، اسوة بالانتفاضات الشعبية التي تملأ الآن معظم الساحات العربية•
ويقدر المراقبون ان تداعيات الازمة السياسية لن تقل في العام المقبل عن تداعيات الازمة المالية والاقتصادية، حيث ينتظر ان تتسع شقة الخلاف حول الشأن السياسي بين الحكومة والمجلس النيابي من جهة، وبين الحركة الاسلامية وقوى المعارضة الشعبية من جهة اخرى، كما ينتظر ان يكون الشارع ميدان مواجهات حامية بين الجانبين•
ويفسر المراقبون هذا الموقف بالقول، ان الحكومة والمجلس النيابي يتلكآن ويماطلان في عملية الاصلاح السياسي عموماً، وفي اجراء الانتخابات النيابية العتيدة على وجه الخصوص، في حين تستعجل قوى المعارضة الوطنية والحركة الاسلامية اجراء مثل هذه الانتخابات، وفق قانون انتخابي عصري وديموقراطي جديد يوفر لها فرصة الفوز بما تستحق من المقاعد النيابية عبر انتخابات حرة ونزيهة وخالية من آثام الافتئات والتزوير•
ففيما تدعي الحكومة انها بصدد اخضاع القوانين الناظمة لعملية الاصلاح السياسي، الى المزيد من البحث والحوار، قبل عرضها على مجلس النواب خلال الاشهر الاولى من العام المقبل، وابرزها قوانين الانتخابات النيابية، والهيئة العليا المشرفة على الانتخابات، والمحكمة الدستورية، والاحزاب السياسية، فقد بات من المرجح، بل المحتم، ان يعمد المجلس النيابي الى اطالة امد مناقشة هذه القوانين بهدف التسويف وكسب الوقت، خصوصاً وان دورته العادية سوف تنتهي اواخر شهر نيسان القادم، وستعقبها اجازة نيابية لاكثر من شهرين، وهو ما يعني ان الانتخابات النيابية العتيدة لن تجري خلال العام المقبل، بل سيتم ارجاؤها الى عام 3102، خلافاً لما تتبناه وتدعو له الحركة الاسلامية واحزاب المعارضة وسائر القوى والهيئات الشعبية المستعدة للنزول الى الشارع في اي وقت•
ورغم ان شعار محاربة الفساد الذي رفعته حكومة الخصاونة، وباشرت ممارسته فعلياً، ينال دعم وتأييد الغالبية العظمى من الشعب، الا ان المراقبين لا يخفون قلقهم من احابيل مراكز القوى، واوكار الفساد والشد العكسي التي مازالت تمتلك الكثير من النفوذ والتأثير داخل اروقة السلطة وخارجها، لا سيما وان مؤسسة الفساد التي تغولت في طول البلاد وعرضها لعدة اعوام قد امتلكت الكثير من الاعوان والمحاسيب المستعدين لخلط الاوراق، واثارة النعرات الفئوية والعشائرية، وتوسيع دائرة الاتهامات لتشمل اعلى المستويات، ودمغ الحكومة بالطيش والعمل على تخريب البلاد•
ويقول المراقبون ان احدى السفارات المتنفذة في عمان التي كانت قد شجعت على محاربة الفساد، ورحبت باجراءات حكومة الخصاونة بادئ الامر، قد عادت وتحفظت على هذه الاجراءات، بل نصحت بالحد منها، حتى لا يبدو النظام وكأنه يحاكم نفسه ويدين اعوانه واركانه•
اما على الصعيد الاداري والاستراتيجي فيقول المراقبون ان البوصلة العامة قد تاهت الى حد بعيد، سواء على المستوى الداخلي او الاقليمي، حيث تجلى التخبط والارتباك في القرار السياسي على اكثر من صعيد، وبقدر ما تصاعدت الانتقادات المحلية للاداء الرسمي في اعلى مستوياته، فقد تصاعدت ايضاً بهذا الخصوص عدة كتابات صحفية اجنبية، الى جانب تقارير دبلوماسية لسفراء اجانب في عمان تحذر كلها من مخاطر جمة تتربص بالاردن حاضراً ومستقبلاً، ذلك لانها آيلة للانفجار في العام المقبل على وجه العموم•
ويشير هؤلاء المراقبون الى ان الدوائر الحاكمة باتت منزعجة شديد الانزعاج من هذه المقالات الصحفية والتقارير الدبلوماسية التي تشكك في صناعة القرار الاردني، واداء المؤسسات العامة، مؤكدين (المراقبون) ان زيارة ملكية لواشنطن في 17 كانون الثاني القادم، سوف تتطرق في جانب منها مع الرئيس الامريكي الى هذه الكتابات والتقارير التي تستهدف تشويه صورة الاردن، وتضليل الرأي العام العالمي حول واقعه الراهن ومستقبله الراسخ•
وفي ظل ضعف مؤسسات الدولة وتدني هيبتها، لم يستبعد المراقبون امكانية التصارع الاهلي بين مكونات المجتمع الاردني، وتحديداً بين الحركة الاسلامية ذات الشعبية الواسعة، وبين المؤسسة العشائرية ذات النفوذ الكبير والحضور التاريخي، جراء تضارب المصالح والتوجهات بين هذين القطبين، لافتين (المراقبون) الانظار الى احداث مدينة المفرق يوم الجمعة الماضي، باعتبارها مؤشراً على ما يمكن ان يتطور اليه الخلاف بين هذين القطبين في قادمات الايام، وبما يتخطى حرق مقر الحركة الاسلامية على ايدي بعض ابناء عشيرة بني حسن، وتلويح الحركة اثر ذلك بامكانية اللجوء الى حماية نفسها بنفسها وبقوتها الذاتية !!
عن المجد