كان يومي عاديا مثل أيام الأردنيين ، أزمة سير خانقة ، وجسد يهتز كلما سقط في حفرة أو مرّ فوق مطب ، أخبار عاجلة مستهلكة ، وترقب لحالة الفساد وحركة الإعتصامات ، وتهرب مستمر من الدائنين، وأمنيات متكررة بتأخر استحقاق الفواتير، وتحديق خجول عن بعد ، وكلام معلق بين الشفة والقلب …
يوم عادي في مدينة عادية تعاني من فساد غير عادي، ولغة مستعملة .. حتى إشعار آخر.
ما هو غير عادي هو أن تقرأ خبرا بعنوان : “إن الأمن العام سيستخدم القبضة الناعمة في تعامله مع المواطنين الملتزمين بمصلحة الوطن” ، وبعد أيام تتصدر المفرق عناوين الأخبار.
السادة مديرية الأمن العام ، بعد التحية والاحترام والتقدير ، أنا مواطن أردني من مواليد عمّان ، أحمل الرقم الوطني رقم ” ……………” ، أعزب وأقدس الحياة الزوجية ، ولدي ذكريات محفورة على جدران الحارات القديمة ، وعلى بعض مقاعد مقاهي وسط البلد، لذا أرجو اعتباري مواطنا دون التطرق لموضوع الالتزام .. كي لا تطالني قبضة ناعمة من يد خشنة، أو قبضة خشنة من جهاز ناعم.
ترى .. هل هناك معيار متبع لتصنيف “الملتزمين” هذه الأيام ؟
ثمة من يحرق الإطارات ويغلق الشوارع العامة ويتجاوز القانون ، ويمارس الفوضى والـ “البلطجة” ، مبررا ذلك بـ “حرصه على مصلحة البلد”!، معتقدا أن ما يقوم به هو عمل وطني ! بالطبع لا تبرر الوطنية التطاول على القانون والاعتداء على الناس والإساءة إليهم ، ولا يحق لأي كان أن ينصب نفسه “جهازا تنفيذيا” يعاقب الناس على أفعالهم .. يحدث هذا على مرأى من العيون .. وبعيدا عن كل أنواع اللكمات، الناعمة منها والخشنة .
وثمة من يطالب بالإصلاح ومكافحة الفساد، منهم من يقوم بذلك بدافع وطني غيور على مصلحة البلد ، وقليل منهم من ركب الموجة بدافع مصلحي انتهازي ، أو للحصول على مكتسبات سياسية ، أو لتصفية حسابات شخصية مبيتة ضد آخرين ، ويبدو أن هناك من ينوب عن جهاز الأمن العام في توجيه اللكمات إلى بعض هؤلاء .. وبذرائع مختلفة !
وبالعودة إلى الخبر، فقد قرر جهاز الأمن العام أن يستخدم القبضة الناعمة ، والسؤال المطروح، ما الجديد في ذلك ! هذه قبضة وتلك قبضة.
المفارقة أن كلمات “ناعم وخشن” تستعمل في محلات بيع الكنافة، وفي صالونات الحلاقة عند الحديث عن الذقون ومعاجين الحلاقة، وعند التعليق على المباريات الرياضية، وخلال بعض المؤتمرات الصحفية .. فقط في عمّان.
من سيتحمل مسؤولية ما حدث أمس في المفرق ، وهل سنستمر في الحديث عن النعومة والخشونة ؟
لقد عثرنا أخيرا على صفة جديدة للقبضة ، لكن هل يمكن الاتفاق على مفهوم واضح ومحدد للمواطن الملتزم ؟
وكما يبدو في غمرة الانشغال بتفاصيل العمل اليومي ، يصعب الخروج – أحيانا – من دائرة المفاهيم المكرسة إلى تكريس مفاهيم جديدة ، تعيد النبض العفوي المتبادل بين الوطن والناس.
نريد دولة مؤسسات تقف على مسافة متساوية من الناس .. تسيّد القانون على الجميع . أما الناعم والخشن .. فيمكن الحديث عنه “ع الواقف” أمام “حبيبة” وسط البلد …