المبدأ الفقهي يقول “ درء المفاسد خير من جلب المنافع “ , وما حدث في المفرق مفسدة كان يجب درؤها من حزب جبهة العمل الذي يسترشد بالنظرية الاسلامية في العمل السياسي , بإلغاء نشاطه في المحافظة , ذات التكوين العشائري المعروف بحساسيته وكرمه ونبل اهله , فالمحافظة الحاملة طبائع الصحراء عصفا وهدوءً يتطلب العمل السياسي فيها حصافة أظنها غابت عن اطياف سياسية في حزب جبهة العمل وبعض زعامات المحافظة .
الحساسية هناك ان عشائرَ من القبيلة غابت عن المشهد البرلماني بحكم سوء الدوائر الوهمية وتقسيمات قانون الانتخاب الذي سيبقى صاعق تفجير في كل محافظات المملكة نظرا لانعدام العدل فيه , بشكل اغوى نشطاء جبهة العمل الاسلامي لاستثماره بالحشد الجماهيري في مسيرة يفترض انها ذات طبيعة سياسية ولكن الحزب وعلى نفس نظرية “ المولينكس “ سعى لخلط كل الاوجاع في خلّاط واحد لمصلحة حزبية غاية في الضيق وما كان لحزب يسترشد بالمقدس الديني ان ينزل الى دنس السياسة من خلال استثمار المقدس .
ما جرى في المفرق ليس كسرا للمألوف الاردني في الفترة الاخيرة , فقد سبق ذلك انتخابات الجامعة الاردنية التي كشفت عن مخزون هائل من البغضاء بين المكونات الاردنية على المستوى الافقي والمستوى العامودي , وما زال الصمت الرسمي سيد الموقف وما زال الاستثمار السياسي داخليا وخارجيا لهذا الاحتقان وهذه البغضاء فعّالا ونشطا مثل براكين الفلبين .
كل ما يجري على حواف مرحلة الربيع العربي او ما يسمى بذلك , خارج عن سياق الحالة الاردنية وطبيعتها وإمكانية تطوير هذه الطبيعة لتقارب وتلامس حواف الاصلاح السياسي والاجتماعي , التي يفترض ان تنتج ادوات مجتمع مدني تكون العشائر ركنا داعما فيه وليست شوكة في خاصرته , فنحن بحاجة الى إخراج افضل ما في البناء العشائري من خيرات وكفاءات , وليس اللعب على اوجاع إقصاء رموزها وإضعاف وجودهم في المجتمعات المحلية لصالح من ليس لهم وجود او تعبير على الارض , كما هو السياق الرسمي خلال الفترة السابقة , مما أورث الحالة العشائرية سلوكا عدائيا بسبب الاقصاء والتهميش بعد ان اسهمت وبفاعلية في بناء الدولة وتحصين المجتمع من امراض اجتماعية كثيرة كانت العشائرية والعشائر هي حاجز الامان المجتمعي في صدّها .
فكثير من عشائرنا التي نحترم ونقدر دورها وحضورها الوطني والقومي تشعر بأن الدولة أدارت ظهرها لها واستبدلتها برمزيات ليس لها وجود او جذر في المجتمع الاردني بل ولها دور معطل لنمو المجتمع ودور بارز في الاعتداء على بناءاته ووجدانه , فأفرزت بذلك بيئة خصبة لتجار النخاسة في السياسة كي يلعبوا على هذا العصب الحساس الذي نكاد ان نضيّعه بعد محاولات حثيثة ومتتالية لتكسيره وتهميشه .
حراك المحافظات فيه من العتب اضعاف ما فيه من الغضب , وهناك من يسعى الى تكريس العتب وتحويله الى غضب دائم , فمعظم مشاريعنا السياسية في المحافظات تأخذ شكل الاسترضاء والرشوة المدانة بدل ان تأخذ شكل التفهم وانتاج الحلول بالمشاركة في القرار المركزي , لدرجة ان زيارة مسؤول او وزير الى المحافظة تأخذ شكلا كرنفاليا واحتفاليا مثل زيارة زعيم دولة الى الاردن وهذا مؤشر بسيط على ضعف التواصل مع الاطراف بجدية وبشراكة حقيقية .
ومشاريع التنمية في المحافظات تأخذ شكل الصدقة والمنّة وكأن الاطراف خارج سياق الاردن وجغرافيته , فهناك مبانٍ جميلة للمدارس ولكنها دون مدرسين , وضخامة في المراكز الصحية دون أطباء ومصانع لا تعمل واستثمارات نسمع بها ولا نراها حتى أوصلنا الاطراف الى حدود الكفر الوطني .
ما نحتاجه للاصلاح بكل تلاوينه وانواعه , المصالحة الوطنية التي تأتي عبر المكاشفة والاعتراف بالاخطاء والفساد والافساد , وإعادة الاعتبار للاطراف عبر مشاركتها الحقيقية في القرار وعوائد التنمية والدخل القومي وحينها لن يجد تجار السياسة مكانا لهم في الاطراف او بين عشائر المحافظات التي تعاني من ظلمين لا ظلم واحد
الدستور