خرجت قمة مجلس التعاون الخليجي بقرارين أساسيين الأول الاستجابة للاقتراح السعودي بالتحول من مرحلة التعاون الى مرحلة الاتحاد بين دول المجلس كما وصفها البيان الختامي للقمة في نهاية الأسبوع الماضي, حيث تم تشكيل هيئة متخصصة من كافة دول المجلس لدراسة الانتقال الى مرحلة الاتحاد. ومع انجاز هذه المهمة يصبح الاتحاد الخليجي قوة اقتصادية إقليمية, مؤهلة لدور دولي خاصة إذا ما علمنا ان الناتج القومي للاتحاد يتجاوز الترليون دولار وفق معلومات عام ,2010 وحجم التجارة الخارجية اقتربت من 900 مليار دولار وإن عدد سكان الاتحاد حوالي 45 مليون نسمة. وعلى الرغم من الهواجس الامنية التي شكلت حافزا رئيسيا للمشروع الا ان خطوة كهذه تحتل اهمية خاصة في العصر الراهن, وخاصة في ظل التكتلات الاقتصادية.
التوجهات الوحدوية الخليجية على اهميتها يجب ان تكون جزءا من استراتيجية عامة نحو بناء تكامل اقتصادي عربي, يمهد الطريق نحو بناء اتحاد عربي, يلبي المصالح العامة لكافة الشعوب العربية ويحقق تنمية اقتصادية شاملة, فالوطن العربي يتمتع بامكانيات متنوعة من الثروات المعدنية التي تحتاج للاستغلال الامثل بتطوير الصناعات الاستخراجية, وانتاج المواد الاولية للصناعة المحلية, وانتاج المعدات الصناعية – وسائل الانتاج- لبناء قاعدة اقتصادية متينة, واقامة مشاريع استراتيجية في مجالات الطاقة وانشاء شبكة سكك حديدية تربط الخليج العربي مع بلاد الشام, واستغلال الاراضي الزراعية لتحقيق الامن الغذائي, حيث يتمتع الوطن العربي بالكفاءات البشرية القادرة على بناء اقتصاد عربي متين, كما يتمتع بفوائض مالية ضخمة يمكن استثمارها بشكل آمن. فالبلدان الخليجية تستثمر 75% من مدخراتها فى اقتصادات الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة الأمريكية, وهي تعاني من ازمات مالية واقتصادية, ادت الى تآكل هذه الاستثمارات نتيجة الانهيارات الاقتصادية وتعرض مئات المؤسسات المالية والمصرفية والصناعية للافلاس, توجيه الفوائض المالية العربية نحو استثمارات في الوطن العربي يحقق كثيرا من الاهداف العربية في بناء اقتصاد عربي قادر على وضع البلدان العربية في مصاف الدول الكبرى, ويسهم في معالجة المشاكل المستعصية من البطالة والفقر وتسرب الكفاءات العربية للخارج. وتأتي اهمية الثروة النفطية ليس فقط كونها شريان الصناعة العالمية. بل لتحقيق التنمية الاقتصادية في الوطن العربي, وتحويل المجتمعات العربية من مجتمعات مستهلكة الى منتجة.
القرار الثاني: التراجع عن توسيع عضوية الاتحاد بضم كل من الأردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي, حيث كانت قمة الرياض في ايار الماضي قد أيدت انضمام الأردن والمغرب إلى التجمع الإقليمي للحصول على العضوية الكاملة, لكن تحفظات بعض الدول الأعضاء ومعارضة أخرى حال دون ذلك. فقد تراجعت القمة عن قرارها السابق المتضمن الموافقة المبدئية على قبول عضوية البلدين في المجلس, واكتفت بالإشارة إلى إنشاء صندوق خليجي لتقديم الدعم لمشاريع التنمية” في الأردن والمغرب, “بمبلغ مليارين ونصف مليار دولار لكل دولة, وترافق ذلك مع تصريحات صادرة عن مسؤولين في دول مجلس التعاون مفاده لا يجوز الانضمام الفوضوي إلى المجلس, ومؤيدًا الانضمام التدريجي عبر شراكة لمدة عامين, وبعدها ينظر في تلك الشراكة في القمة الخليجية. صيغة مهذبة لعدم الموافقة على المشاركة, اعتقد ان الفكرة ولدت ميتة منذ بدايتها, ولم تكن نابعة من دراسة موضوعية مبنية على معطيات اقتصادية, وقد سبق وتناولت هذا الموضوع في حينه. فالبلدان- الأردن والمغرب- ليسا دولتين خليجيتين, او نفطيتين ولا ينتميان لنادي الأغنياء, وعلى أهمية تطوير العلاقات بين الدول العربية عامة وعلاقة الأردن مع دول الخليج خاصة لما في هذه العلاقات من مصلحة متبادلة, مئات الالاف من العمال والمهندسين والخبراء والمدرسين والاطباء الاردنيين يعملون في دول مجلس التعاون الخليجي, وهم في الوقت الذي يسهمون بتعزيز احتياطات البلاد من العملات الاجنبية, وتسهم مدخراتهم في التنمية الاقتصادية في الاردن, يشاركون ايضا في بناء وطنهم الثاني في دول مجلس التعاون لذلك ينبغي تطوير كافة اشكال التعاون.
اما موضوع عضوية الاتحاد ليس أكثر من محور سياسي لأنظمة حكم متشابهة, لمواجهة المستجدات في ضوء الحراك الشعبي في معظم الأقطار العربية, بهدف الاستفادة من قدرات الأردن في تقديم دعم امني مباشر, كما ورد على لسان مسؤول بحراني في حينه. ومن الناحية الاقتصادية فالدول التي تحفظت على عضوية الأردن خشية من ان يشكل الأردن عبئا ماليا على الاتحاد بسبب تفاقم عجز موازنته, إضافة إلى ان عضوية الأردن للاتحاد تفرض عليه أعباء إضافية بسبب شرط التكيف مع حزمة القوانين الجمركية لمجلس التعاون مما يخفض إيرادات الخزينة ويرفع عجز الموازنة, لذلك فضلت هذه الدول ان يكون شكل الدعم في المساهمة بصندوق تنموي من دون الالتزام بتقديم دعم مادي دائم. وعلى الرغم من اهتمامات الجانب الأردني رسميا, إلا ان هناك تحفظات شعبية من المشاركة في محور سياسي يستخدم الأردن كأداة لمواجهة الحراك الشعبي في بعض الدول الخليجية.
العرب اليوم