رياح الجدل التي أثارها في أجواء الإعلام والسياسة الأردنية قرار تغيير رئيس تحرير صحيفة الرأي كبرى اليوميات في البلاد قبل يومين لها ما يبررها ليس فقط لإن المسألة تخص الذراع الإعلامية الأهم في الدولة الأردنية.
ولكن أيضا لان إتجاهات القرار عند رئيس الوزراء الحالي عون الخصاونة تخضغ لمراقبة غير مسبوقة إطلاقا وسط حالة هوس في الأسرة السياسية محورها الإجابة على السؤال التالي : كيف يخطط الخصاونة لإستعادة الولاية العامة..وهل يستطيع فعلا؟
ولإن هذا السؤال هو محور السجالات النخبوية في أروقة القرار ونخب عمان هذه الأيام إنشغل الجميع بتنحي الكاتب الصحافي المعروف سميح المعايطة قسرا عن رئاسية تحرير الصحيفة الأهم في البلاد وتعيين خليفته الصحافي العتيق مجيد عصفور بدلا منه علما بأن الأخير أحد أقرب الأعلاميين على الدائرة الضيقة للرئيس. ويستسلم البعض للقراءة السطحية لمشهد التغيير في مؤسسة الرأي على أساس أن السبب في الإجراء لا تتعدى رغبة رئيس الوزراء بتعيين أحد أصدقائه المحسوبين عليه في الموقع لكن هذه القراءة لا تناسب في الواقع الإنحيازات المبدئية التي تظهرها الحكومة الجديدة فثمة الكثير من المواقع كانت متاحة لتعيين عصفور إذا كانت المسألة تنطوي على ””””””””التقريب والتنفيع”””””””” فقط. وما لا يريد كثيرون إعتماده هو تلك النظرية التي تشير لإن إستبدال المعايطة بعصفور وإن كان ينطوي على تدخل غير مبرر للحكومة في وسائل الإعلام إلا أنه قد يكون مرتبطا بالمهمة الإستراتيجية الأسمي التي أخذها الخصاونة على عاتقه وهي إستعادة الولاية العامة للحكومة وولادة أول نموذج حقيقي لرئيس وزراء يستعد لمعركة كبرى وأساسية تتطلب فريقا منسجما معه تحديدا في مؤسسات الإعلام وبصورة حصرية في مؤسسة كالرأي.
والتفسير الرائج في أروقة الحكومة هنا يشير لإن الهدف هو وجود ””””””””متعاونين”””””””” يتميزون بدرجة عالية من الولاء لفكرة الخصاونة عن إستعادة الولاية العامة في قمة هرم المؤسسات المهمة لكن المعايطة طبعا لا يبدو مقتنعا بذلك فقد أصر على رفض تقديم إستقالته وإتهم الخصاونة مباشرة بالسعي لتعيين المحاسب والأصدقاء وليس لإستعادة الولاية العامة.
ورغم أن هذا المنطق ينبغي أن يخضع لإختبار كاشف عن نوايا الحكومة الخلفية إلا أن جزئية سعي الخصاونة للتمسك بالولاية العامة بدأت تغير شكل وملامح الإدارة الأردنية بشكل يدخل الحكومة تدريجيا في عش الدبابير السياسي الذي تستوطنه عشرات النخب التي تحتفل بالفساد البيروقرالاطي أو تتطلب مصالحها إعاقة الولاية العامة أو لم تمارس سابقا فعاليات الولاية العامة ولا تعرفها.
لذلك تثير المسألة الكثير من الجدل حتى في مربع دوائر القرار فالخصاونة مثلا يظهر ميلا لم يسبقه إليه أي رئيس وزراء للتصرف إداريا كوزير فعلي للدفاع وللإشراف الحكومي الكامل على إدارة الشؤون الخارجية والدبلوماسية ويقرأ تفاصيل التفاصيل فيما يتعلق بعطاءات الحكومة ويفاجىء نخبة من كبار الموظفين بمناقشاته التفصيلية لمشتريات الحكومة ولوازمها والأبعاد القانونية.
وقد إستعدى الخصاونة شبكة عملاقة من المتنفذين والحيتان ورؤساء الحكومات السابقين بمجرد إعلانه نيته النبش بأعماق ملفات التخاصية والشركات التي بيعت في الماضي لمستثمرين أجانب قبل أن يتخذ أمس الخميس خطوة جريئة بتحويل ملف سفر رجل الأعمال المعروف خالد شاهين إلى مجلس النواب، الأمر الذي يوحي بفساد وزاري محتمل ورفيع المستوى بالخصوص.
وفي عهد الخصاونة سجن عمدة العاصمة السابق الذي كان من أكثر الشخصيات تنفذا ومنع من السفر مدراء مخابرات سابقين وتحت إدارته سيعيد بعض الجنرالات أموالا وعقارات منهوبة وستنفضح شبكة كبيرة من كبار الساسة في عمليات بيع القطاع العام، ولا يبدو أن الرجل يظهر أي ميول لتسويات في مسألة ملفات الفساد فوزارة الخصاونة تضرب تحت الحزام بالخصوص.
فوق ذلك يغضب خصاونة كثيرين في مستويات القرار وهو يمنع أحد مستشاري القصر الملكي من التدخل بأزمة الرمثا أو وهو يفرض بحزم تصوره الشخصي والسياسي لآليات التعاطي مع الملف السوري بالإتجاه المعاكس لما يريده بعض الساسة من تصعيد مع نظام بشار الأسد، كذلك يغير الرجل قواعد اللعبة فيما يخص حركة حماس وإبعاد قادتها ومسألة الجنسيات والأخوان المسلمين.
كل تلك الإعتبارات تعني تلقائيا بأن الخصاونة وهو يستعيد الولاية العامة ويسيطر على الأمور بإحكام يحشد الكثيرون ضده بالمقابل وأهم هؤلاء وأغلبهم داخل مؤسسات القرار وليس خارجها، لذلك بدأت الحركة المضادة فعلا من عمق أعشاش الدبابير والمتفرجين المحايدين ما بين دعوات لإسقاط حكومة الرجل مبكرا أو دعوات لإحباط حركته فمن يحتاج للتدرب على ””””””””ولاية عامة للحكومة”””””””” هو عمليا مؤسسات النظام قبل الجمهور ووسائل الإعلام.