كشف الطبيب النفسي الدكتور وليد سرحان عن وصول عدد الأطباء النفسيين المتمرسين في الأردن إلى 40 طبيبا معتبرا أنها من أقل الأعداد في العالم.
واضاف سرحان أن جمهورية التشيك أو حتى إسرائيل لديهما ما لا يقل عن 1200 طبيب نفسي بالنسبة لعدد السكان المقارب لعدد الأردنيين 6 ملايين نسمة.
وطالب سرحان وزارة الصحة بأن تضع برامج صحة نفسية على مستوى الأردن وليست على مستوى كل مستشفى تابعة لها.
وكان حديث السرحان سبقه تحذيرات أطباء نفسيين من مخاطر قلة عدد الأطباء النفسيين الفاعلين في الأردن، معتبرين أن “الإهمال” في ساحة الطب النفسي قد يزيد من أعداد المرضى النفسيين المزمنين.
وكانت منظمة الصحة العالمية، دعت وزارة الصحة إلى تذليل جميع الصعوبات التي تواجه مشروع الصحة النفسية في الأردن، وتبني البرنامج المدعوم من قبل المنظمة العالمية، خشية انهياره في حال لم تتبناه الحكومة ما يعني ضياع الجهود المبذولة.
وكشفت المنظمة في العام 2010 عن مراجعة 20 ألف مواطنا أردنيا سنويا عيادات الطب النفسي التابعة لوزارة الصحة. معربة عن قلقها من قلة الأطباء النفسيين في المملكة البالغ 70 طبيبا، غير أن نقيب الأطباء الأردنيين أحمد العرموطي، يشير إلى أن العدد الفعلي للأطباء “أقل بكثير”.
يرجع العرموطي قلة عدد الأطباء إلى صعوبة شروط حصول الطبيب العام على الاختصاص، منها لا يقبل من يقل عمره عن 36 عاما في التخصص، فضلا عن صعوبة التخصص بالطب النفسي، من حيث الاحتياج لدراسة معمقة واستعداد نفسي لدى المقبل عليه.
واحدة من الإشكاليات، وفق العرموطي، تكمن في نقص الكوادر التمريضية والتي تستدعي الأطباء إلى الإحجام عن دراسة التخصص، وما يزيد الأمر صعوبة هو تدني المرود النفسي، من حيث أعداد المراجعين، ومكوث المريض النفسي عند الطبيب مدة ساعة أو أكثر في الجلسة الواحدة.
تؤكد دراسة، كُشف عنها مطلع نيسان العام 2010، عن وجود نقص شديد في أعداد الاختصاصيين النفسيين بعلم النفس العيادي والإرشاد النفسي، خاصة في القطاع العام ، حيث لا يتوفر في “الإرشاد النفسي” إلا شخص واحد مؤهل ولا يعمل في مجال خدمات الصحة النفسية ، ورأت أن المريض النفسي بحاجة للعلاج والإرشاد، خصوصا وأن هناك الكثير من الاضطرابات النفسية يمكن علاجها بالعلاج السلوكي المعرفي ، والذي يعتبر حاليا ركنا مهما من أركان العلاج في مجال الطب النفسي، وهذا متوفر في القطاع الخاص.
تلك الدراسة أعدها فريق وطني من أكاديميين واختصاصيين نفسيين، أشارت إلى توافر طبيب نفسي واحد لكل 100 ألف نسمة في الأردن ، وهو ما اعتبر “متدنيا” وفق خلاصة الدراسة.
مسؤولية مشتركة
رئيس جمعية الأطباء النفسيين الأردنيين، وليد شنيقات يرمي مسؤولية قلة الأطباء على الجامعات الأردنية، ويقول أن القصور لا تستثنى منه كليات الطب في الجامعات، “تخلو كليات الطب من أقسام الطب النفسي، مثلا على ذلك، مستشفى الملك عبدالله المؤسس لا يوجد فيها هذا القسم، وكذلك مستشفى الجامعة الأردنية علما أن هناك أساتذة اختصاص الطب النفسي يدرسون التخصص للطلبة”.
ويجد الدكتور شنيقات أن الأمر يحتاج إلى “قرار عند أصحاب القرار” غير المقتنعين بعد بأهمية النهوض بقطاع الصحة النفسية.
ارتفاع كلفة العلاج
تتراوح تكلفة علاج المريض النفسي بين 70 و 80دينارا يوميا، ووفق الدراسة، فيما يبلغ إجمالي عدد “الأسرّة” المخصصة لعلاج المرضى النفسيين في المملكة نحو “569?سريرا، منها”360?سريرا في المركز الوطني للصحة النفسية في الفحيص، و”150?سريرا في مركز الكرامة، و”43?سريرا في الخدمات الطبية الملكية”مركز الرعاية النفسية”بالإضافة إلى”70?سريرا في مستشفى الرشيد القطاع الخاص.
تكاليف العلاج تزيد من صعوبة زيارة الطبيب النفسي، وهنا يجد الدكتور شنيقات من جانبه أن الطبيب النفسي “ضحية” لكونه من أقل الأطباء “دخلاً مادياً”، لسبب “قلة المرضى” إضافة إلى “زيارة المريض الواحد لساعات في الجلسة الواحدة”.
تنأى شركات التأمين عن نفسها بشمول الأمراض النفسية بمظلتها ما يعقد من فرص شمول المرضى والوصول إليهم، ويقول رئيس جمعية الأطباء النفسيين أن ذلك مربوط “بربحية” شركات التأمين وعدم نجاعة شمول الأمراض النفسية وعدم قناعتهم بها.
ذات الدراسة دعت شركات التأمين إلى شمول المرضى النفسيين بمظلتها، ومطالبة بتعديل القوانين والسياسات المعمول بها حاليا للارتقاء بخدمات الصحة النفسية. واقترحت الدراسة استحداث هيئة مستقلة لحماية المرضى النفسيين، ومنع تعرضهم للإساءة.
في شهر آذار العام 2007 أعلنت هيئة مكافحة المخدرات والجريمة التابعة للأمم المتحدة، أن الإدمان على تناول الأدوية بموجب وصفة طبية، قد يفوق اللجوء إلى المخدرات التي تباع في السوق السوداء حول العالم. وجاء في تقريرها أن الإدمان على الأدوية وفق وصفة طبية “فاق الإدمان على مواد ممنوعة تقليدية مثل الهيروين والكوكايين وغيرها في أوروبا وأفريقيا وجنوب آسيا”.
إدارة مكافحة المخدرات كشفت بداية العام 2010 ، عن بلوغ أعداد قضايا المخدرات والتعاطي والاتجار في العام 2009 إلى 3641 قضية، منها 980 قضية حيازة وتعاطي للمواد المخدرة. فيما أخضع مركز علاج الإدمان التابع لذات الإدارة 355 شخصا للعلاج.
ويربط أطباء واقع الإدمان بين هذه الفئة بـغياب ثقافة تداول الدواء النفسي عند المرضى الذين يودون الهروب من واقعهم المعاش، ما يجعل البعض يحتال على صيدليات أو تواطؤ معه، في وقت لدى كافة الصيدليات تعليمات صادرة بموجب وزارة الصحة والمؤسسة العامة للغذاء والدواء تقضي بعدم صرف أي دواء نفسي إلا بوصفة طبية مختومة من الطبيب المعتمدة والمعروف لدى الجهات ذات العلاقة.
تعميم أصدرته المؤسسة العامة للغذاء والدواء ونقابة الصيادلة أواخر العام 2009 يلتزم بعدم تزويد أي صيدلية بأكثر من 50 علبة من الأدوية المهدئة، وما يرصده مفتش المديرية هو فرق في سحب كمية من دواء معين دون توثيق عد الوصفات الطبية، ما يستدعي المديرية إلى إصدار إنذار للصيدلية وإن لم تستجب يتم إغلاقها وتحويل الصيدلي المسؤول إلى النائب العام.
حق الإنسان بالصحة النفسية
المركز الوطني لحقوق الإنسان، وفي تقرير وحيد له في العام 2006، آتى على ذكر الصحة النفسية، وطالب الحكومة باعتبار “الصحة النفسية جزءً أساسياً من خدمات الرعاية الصحية”.
وهذا الحق الذي وثقه المركز في تقريره، مستندا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(25/1)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية( المادة 12)، معتقدا المركز أنه آن الأوان لإجراء تعديل على قانون الصحة العامة المؤقت وتعديلاته رقم (54) لسنة 2002 الذي أولى أهمية بالصحة الجسدية دون ذكر للصحة النفسية.
وعملا بالمواثيق الدولية، حث تقرير المركز على ضرورة “إيجاد خدمات صحية نفسية للأطفال لمن هم دون سن 18 سنة حيث لا تتوفر لهم الخدمات إلا عن طريق العيادات النفسية، فضلا زيادة عدد المراكز التي تعنى بالصحة النفسية لتغطي أقاليم المملكة، وتشديد الرقابة على بيع الحبوب والأدوية المخدرة، ووضع آليات تفتيش ورقابة مناسبة لضمان احترام حقوق الإنسان في جميع مرافق الصحة النفسية، كذلك زيادة الكوادر البشرية المؤهلة للتعامل مع هذه الفئة من المجتمع.
الصحة النفسية تغطي 5% من الأردنيين
يكشف رئيس وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة، بشير القصير، عن نسبة 5% من الأردنيين، القادرين على الوصول إلى العلاج النفسي من خلال الأخصائيين النفسيين والمستشفيات، بينما نسبة 75 -80% يفقدون فرصة العلاج.
وهذا الأمر، “يؤدي إلى زيادة الأمراض لديهم والتي تؤدي فيما بعد إلى أمراض عضوية تصبح مزمنة”، وفق القصير.
ويضيف رئيس الوحدة أن الهدف من الوحدة التي أنشأتها الوزارة مؤخرا، رفع كفاءة الصحة النفسية في الأردن، لكون يعاني من “إهمال في الخدمات” ويواكبه قلة في عدد الأطباء والمرضى من حيث أعدادهم الكبيرة.
اتفاقية بين وزارة الصحة والمنظمة الصحة العالمية، وقعت مؤخرا من شأنها رفع خدمات الصحة النفسية ودمجها بالمراكز الصحية، وتعنى أيضا بدمج خدمات الصحة النفسية في مراكز الصحة الأولية المنتشرة في مناطق متعددة، حيث يوجد مراكز مهيأة لاستقبال المرضى النفسيين، والكادر مدرب في التعامل مع المرضى.
وأكد القصير أن الكلفة العلاجية للمرضى النفسيين في وزارة الصحة زهيدة الثمن وبالمجان، “يتم التعامل مع هذا المريض كأي مريض عضوي آخر، وتتم بالمجان في المراكز الصحة النفسية التي تتبع وزارة الصحة حيث يعالج المريض النفسي مجانا كما يعطى الدواء بالمجان أيضا”.
بسام الحجاوي، مدير مديرية الصحة الأولية في وزارة الصحة، أقر بتواضع الخدمات الصحة النفسية في مديريات الصحة والمستشفيات وينبغي أن تلعب دورا في التعامل مع المريض النفسي، وبدعم من منظمة الصحة العالمية.
ويضيف الحجاوي أن المرحلة المقبلة ستقوم الوزارة بتعزيز أعداد المرشدين النفسيين في الوحدة، حيث تم تدريب سلسلة من الأطباء العاملين في 18 مركز صحيا ليكونوا نواة مشروع الخدمة الصحية، والتي تستطيع عندها استقبال المرضى النفسيين والتعامل معهم بمهنية.
تشير التقديرات العالمية إلى أن نسب المواطنين الذين يعانون من اضطرابات وضغوطات نفسية تتراوح بين 12 – 20% من السكان، تقديريا ما يعاني من سكان المملكة يصلون إلى مليون و 750 ألف نسمة.
للاطلاع على مزيد من تقارير: وثائقيات حقوق الإنسان