دخل فارس بيك الخوري، ممثل سوريا في الامم المتحدة حديثة المنشأ، بطربوشه
الاحمر و بذته البيضاء الانيقة... قبل موعد الاجتماع الذي طلبته سوريا من
اجل رفع الانتداب الفرنسي عنها بدقائق...
و اتجه مباشرة الى مقعد المندوب الفرنسي لدى الامم المتحدة و جلس على
الكرسي المخصص لفرنسا
بدء السفراء بالتوافد إلى مقر الامم المتحدة بدون اخفاء دهشتهم من جلوس
فارس بيك المعروف برجاحة عقله و سعة علمه و ثقافته في المقعد المخصص
للمندوب الفرنسي، تاركا المقعد المخصص لسوريا فارغا
دعوني اخبركم، ايها الاحبة هذه المعلومة عن فارس بيك الخوري*: فارس بيك
احد مؤسسي الامم المتحدة، رغم معارضته الشديدة لصيغة مجلس الامن، و
اعتقد ان هذا يفسر سبب ذهول الوفود من تصرف فارس بيك، يعني فارس بيك احد
واضعي نظام الامم المتحدة و لا يعرف بروتوكول المقاعد المخصصة ؟؟
المهم احبائي، دخل المندوب الفرنسي، و وجد فارس بيك يحتل مقعد فرنسا في
الجلسة... فتوجه اليه و بدأ يخبره ان هذا المقعد مخصص لفرنسا و لهذا وضع
امامه علم فرنسا، و اشار له إلى مكان وجود مقعد سوريا مستدلا عليه بعلم
سوريا
و لكن فارس بيك لم يحرك ساكنا، بل بقي ينظر إلى ساعته.. دقيقة، اثنتان، خمسة...
استمر المندوب الفرنسي (لم تسعفني ذاكرتي بتذكر اسمه، ارجو ممن يعرفه ان
يخبرنا و نحن له من الشاكرين)، في محاولة إفهام فارس بيك:
يا حبيبي، يا روحي، مونامور، مون شيري... هون محل كرسي بتاع فرنسا، محل
كرسي بتاع سوريا هنيك، سيفوبليه قوم انقلع من هون بدنا نقعد
و لكن فارس بيك استمر بالتحديق إلى ساعته: عشر دقائق، احد عشرة، اثنا عشرة دقيقة
و بدء صبر المندوب الفرنسي بالنفاذ: يا دب.. قوم انقلع يا عربي يا متخلف
هون مطرح فرنسا الحرة و لكن فارس بيك استمر بالتحديق بساعته، تسع عشرة
دقيقة، عشرون، واحد و عشرون...
و اهتاج المندوب الفرنسي، و لولا حؤول سفراء الامم الاخرى بينه و بين عنق
فارس بيك لكان دكه.....
و عند الدقيقة الخامسة و العشرين، تنحنح فارس بيك، و وضع ساعته في جيب
الجيليه، و وقف بابتسامة عريضة تعلو شفاهه و قال للمندوب الفرنسي:
سعادة السفير، جلست على مقعدك لمدة خمس و عشرين دقيقة فكدت تقتلني غضبا و
حنقا، سوريا استحملت سفالة جنودكم خمس و عشرين سنة، و آن لها ان تستقل
في هذه الجلسة أيها الاحبة، نالت سوريا استقلالها.. و في مثل هذا اليوم
من عام 1946، جلى آخر جندي فرنسي عن سوريا الأبية..
ليس حلما مستحيلا أن ينقشع الضباب عن فلسطين !