انهمكت الحكومة الأردنية، بضوء أخضر من الملك عبد الله الثاني بن الحسين، منذ الأسبوع الماضي، في فتح “عش الدبابير” بإحالة بعض ملفات الفساد على القضاء، في خطوة طال انتظارها من الحراك الإصلاحي الشعبي.
فالملك جدد في لقاء جمعه برؤساء السلطات الثلاث وممثلي المؤسسات الرقابية، الأسبوع الماضي، تأكيده ضرورة العمل الجاد لتحقيق العدالة للجميع وإحالة الفاسدين على القضاء من دون أي تردد أو محاباة، وكذلك فرض هيبة الدولة حيال التجاوزات الاخيرة. وشدد خلال ترؤسه جلسة لمجلس الوزراء على ضرورة “أن يرى المواطن شيئا جديا وملموسا في ما يخص مكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين وفرض سلطة القانون وهيبة الدولة، وأن لا أحد فوق القانون”.
إجراءات سريعة
لذلك، أحالت الحكومة عددا من قضايا الفساد، التي يطالب الحراك الشعبي بفتحها، على النيابة العامة، ومنها: الشبكة الأمنية الخليوية وخصخصة شركة الفوسفات، وملف شركة “موارد” المتعلقة بإسكانات ومشاريع مقاولات ضخمة.
وأوقف أمين عمان الكبرى السابق عمر المعاني الأسبوع الماضي على ذمة التحقيق 14 يوما بعدما اتهمه مدعي عام عمان بـ”الاختلاس والرشوة والاستثمار الوظيفي”.
وأعلنت هيئة مكافحة الفساد أنها حظرت سفر عشرات من رجال الأعمال وطلبت منهم تقديم كفالات بملايين الدولارات.
واستدعى مدعي عام عمان ثلاثة رؤساء حكومات سابقين، هم: معروف البخيت ونادر الذهبي وسمير الرفاعي، ومسؤولين آخرين للمثول للشهادة في قضية اعطاء حكومة البخيت كازينو البحر الميت ترخيصاً عام 2007.
وسبق لمجلس النواب الحالي أن حقق في القضية إلا أنه أغلقها بعد عجزه عن اتهام البخيت ليعاد فتحها مجددا من النيابة العامة.
إلى ذلك، كشف وزير المال أمية طوقان أن نسبة اهدار المال العام تقدر بـ 15-20 في المئة من نفقات الدولة، واصفاً ذلك بـ”الفساد بسبب سوء الإدارة”.
ويأتي هذا التحرك المفاجئ عقب كشف الديوان الملكي قبل أسبوعين عن الأراضي الأميرية التي سجلت باسم الملك برقم كل قطعة ومساحاتها، وبرر استملاكها بتسريع تنفيذ مشاريع تنموية وخدمية. وأكد لعرض أي معلومة يريد الصحافيون الاطلاع عليها تتعلق في هذا الملف.
وعلى صعيد فرض هيبة الدولة، بدأت الحكومة خطوات جدية لمنع أي اعتداءات على النظام العام، وخصوصا تلك المتعلقة بإغلاق الطرق العامة من بعض أبناء العشائر والبلدات لإجبار الحكومة على الاستجابة لمطالبهم، التي ليست كلها ذات أحقية.
ردود الأفعال
ردود المعارضة والحراك الشعبي تباينت حيال هذه الإجراءات، إذ أثنى بعضها عليها، خصوصا الحركة الإسلامية على لسان الأمين عام لحزب جبهة العمل الإسلامي حمزة منصور، وطالبوا بالمزيد لإثبات الجدية الكاملة في مجال مكافحة الفساد.
بينما رأى آخرون، ومنهم بعض الإسلاميين، أنها “شكلية” ومحاولة لإشغال الرأي العام عن مطالبه الإصلاحية من خلال الحديث عن كشف ملفات فساد.
وشكك زكي بني ارشيد رئيس الدائرة السياسية في حزب جبهة العمل الإسلامي بوجود إرادة جادة لكشف الفساد ومحاسبة المفسدين في المملكة ، رافضا أن يكون اجتثاث الفساد من خلال “حركات شكلية”.
لماذا الآن؟
ويسود اعتقاد أن ما يجري من تحويل ملفات فساد إلى النيابة العامة، دافعه “سياسي” بالدرجة الأولى، وأن توقيف المعاني وغيره ممن سيلحقون به، يهدف إلى جعلهم “أكباش فداء” لتنفيس الاحتقانات المتصاعدة في الشارع.
هذا الاعتقاد يسنده تحليل للأوضاع السائدة داخليا وخارجيا. إذ تنبهت دوائر صنع القرار الأمنية والسياسية أخيرا إلى أن مستوى الغضب الشعبي وصل الى مراحل تكاد تعصف بالنظام الذي دخل في نفق مظلم يصعب الخروج منه إلا بجراحات قاسية، وأكلاف باهظة لا يستطيع تحملها.
وتعاظم هذا الإحساس بعدما كسر الحراك الشعبي التابوات المتعلقة برأس النظام، وباتت عبارة “إسقاط النظام” بين اللسان والشفه.
والأمر لم يقتصر على الغضب الشعبي، فثمة تحول لافت في خطاب الحركة الإسلامية عن النظام وحياله، رافقته تسريبات من الإسلاميين عن التقاء بعض قادتهم نظراءهم في مصر بغية فهم تجربة “إخوان” مصر في إسقاط نظام حسني مبارك.
خارجيا، يتوجس النظام خيفة من مسلسل التصريحات والتسريبات الإسرائيلية عن مخططات جدية لإقامة الوطن البديل للفلسطينيين على الأرض الأردنية، وعدم ممانعة أوساط فاعلة في واشنطن لهذه المخططات.
يضاف إلى هذا الرفض الصارم من بعض دول مجلس التعاون الخليجي لانضمام المملكة الهاشمية إلى ناديهم، وهو ما صرحت به أخيرا وزارة الخارجية الكويتية بأن “عضوية المجلس مغلقة”.
وشكلت الأزمة الداخلية في سوريا وتبعاتها الإقليمية عنصرا ضاغطا على الديبلوماسية الأردنية التي لا تعرف أين تقف في ظل انقسام داخلي حيال المسألة، ومخاوف من حرب إقليمية في المنطقة تمنح إسرائيل الغطاء لتنفيذ مخطط الوطن البديل.
أمام هذا كله، لا يجد النظام إلا أن يعيد ترميم نفسه وعلاقته مع الشارع المنهك من الأعباء الاقتصادية المتزايدة وتباطؤ الإصلاح.