اظهرت دراسة تحليلية اجتماعية لاسباب العنف في الجامعات ان دوافع المشاجرات الطلابية في بعض الجامعات لا تأتي من المجتمع بشكل مباشر وانما من بيئة الحرم الجامعي ، وما فيه من ظروف ، وشروط مولدة للتوتر لدى الطلبة .
وخلصت الدراسة التي اعدها استاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتور مجد الدين خمش الى ان مشاعر الإحباط لدى بعض الطلبة المتولدة عن عدم التوافق السليم مع الجامعة بوصفها نظاما بيروقراطيا تعتبر من الظروف المولدة للتوتر .
وقال الدكتور خمش في دراسته ان شيوع معايير التراخي والإهمال بين بعض الطلبة يؤدي إلى ضعف التحصيل العلمي لديهم ، وبخاصة في بعض الكليات الانسانية ، وإلى مقاومة المعايير الرسمية للجامعة التي تركز على المواظبة على حضور المحاضرات والدراسة والتحضير في البيت والمكتبة والتحصيل والتفوق والإنجاز .
واضاف ان تكوين جماعات الأصدقاء ، الجماعات المرجعية ،( أو الشلل ) يعد آلية لخفض التوتر لدى الأفراد , وهي آلية للتعامل مع الإحباط بشكل جماعي يقلل تكلفة هذا التعامل على الفرد ويجنبه – في حالة الخروج على المعايير – تحمل المسؤولية بشكل فردي منعزل .
“ولذلك وبسبب قيام الجماعة المرجعية بهذه الوظائف الاجتماعية – النفسية فهي نزوع طبيعي لدى الأفراد في المؤسسات الحديثة ، لا يمكن قمعه أو إيقافه – لكن يمكن توجيهه بما يتفق وأهداف المؤسسة ورسالتها وبما يقلل من توجه (الشلة) لمعارضة هذه الأهداف أو مقاومتها ” وفقا للدراسة .
واشار الى ان ذلك يتم من خلال تعديل الأسس التي تقوم عليها (الشلة) فبدلا من الأساس القرابي أو البلداني ، أو الشخصي ، أو الطبقي الذي تبنى عليه أغلب الشلل الطلابية في الجامعات , يمكن أن تقوم الشلة – بتوجيه من الجامعات – على أساس الهواية المشتركة ، أو التخصص الأكاديمي بغض النظر عن القرابة ، أو مسقط الرأس ، أو الانتماء الطبقي .
وبين ان علاج المشاجرات الطلابية في الجامعات مسؤولية الجامعات ذاتها ، وإداراتها في الدرجة الأولى بوصفها مؤسسات تربوية عقلانية حديثة تمتلك القدرة على توليد وتطوير آليات مناسبة للتكيف مع بيئاتها الداخلية والخارجية وما فيها من تحديات ، وأزمات متجددة .
واوضح انه يمكن اكتساب الطالب لمفاهيم وأفكار مرجعية جديدة من خلال مؤثرات البيئة وبخاصة المنهاج الدراسي ، والنشاطات الأكاديمية واللامنهجية ونظام المكافآت، والتدخل في طبيعة الجماعات التي يتعامل معها الطالب والتي تؤدي دورا جوهريا في إنتاج هذه المفاهيم وتدعيمها .
واشار الدكتور خمش الى انه من المهم أن تقوم المؤسسة ذاتها بمستوياتها الإدارية والأكاديمية المختلفة بتقديم القدوة والمثال للطلبة ، وبخاصة في تدعيم ثقافة القانون ، والمشاركة الجماعية وحرية الرأي والمواظبة والسعي الجاد نحو التميز والإبداع .
واقترح قيام الجامعات بإنشاء وتطوير عدة برامج متكاملة تعمل جميعها على التأثير على الجماعات التي يتعامل معها الطالب في الحرم الجامعي بما يؤدي إلى اكتسابه للمفاهيم والقيم المرجعية الحديثة التي تربطه بالجامعة وأهدافها ورسالتها , وقد تقلل بشكل ملحوظ من ارتباطه بالمفاهيم والعصبيات التقليدية المرتبطة بالمشاجرات الطلابية الجماعية .
ودعا الى تطوير مادة دراسية إجبارية تركز على تحديث الشخصية والانتماء الوطني ، والثقافة المدنية بحيث يتم من خلال دراسة هذه المادة ترسيخ مفاهيم مهمة في عقول الطلبة تركز على المواطنة والانتماء والمساواة والديمقراطية في التعامل وتقبل الرأي الآخر والتسامح ورفض التطرف والإرهاب .
وبين ان مثل هذه المادة تزود الطالب بقناعات ومفاهيم ومهارات جديدة ضرورية للدخول في علاقات حديثة إلى جانب العلاقات التقليدية المألوفة .
ودعا كذلك الى تدريس متطلبات الجامعة إلكترونيا وبخاصة الإجبارية منها على الإنترنت والبدء بدراستها من قبل الطلبة إلكترونيا ( اون لاين ) ، بما يقلل من التكلفة المالية التي تتحملها الجامعات ، واشغال قاعات المحاضرات باستمرار ، وازدحام الحرم الجامعي أثناء تنقل الطلبة من محاضرة إلى أخرى ، وما ينتج عن ذلك من توتر وتزاحم بينهم لساعات طويلة أثناء اليوم .
وركز على ضرورة إعادة النظر في عدد من بنود تعليمات انتخابات مجلس أو اتحاد الطلبة ، وبخاصة البنود المتعلقة بشروط الترشح والمعدل الأكاديمي المطلوب ضمن هذه الشروط .
كما أن التعليمات – وبشكل غير مقصود – لا تشجع الطالبات على الترشح لمقاعد المجلس , وفي أغلب الدورات تنجح عدة طالبات فقط ، بالرغم من أن الطالبات يشكلن في حدود 70 بالمئة من الطلبة في العديد من الكليات الإنسانية .