اعتاد البعض في تحليلاتهم، أن يقدموا أو يعمدوا في تحليلاتهم إلى وجود أو إيجاد أطرافٍ غير موجودة لأي قضية تعرض في الشارع، أو ما يثار حولها من جدل، وهذا غير مستبعد فهناك من يقفز فجأة فيحضر، وهناك من يستحضر ذكره، وهكذا تتوالى الأسماء بالتكرار.
يحدث ذلك اليوم في ملف مكافحة الفساد، وفيه يبدو الملك مصمما على تكريس دولة القانون، ومصر على أن يتمايز الناس عبر ميزان العدالة وليس الإشاعات، ومن المفترض أن يكون مثول أو استجواب اي مسؤول جزءا من تبعات المسؤولية التي قبل بها الرجل العام في الوطن، والنظيف كما يقولون لا يخاف ولا يخشى من احد.
المهم اليوم في مثول بعض المسؤولين السابقين الذين أثير حولهم الكثير من الأسئلة والإشاعات، هو ان تتم المحاسبة باعلى درجات الشفافية، وان لا يكون هناك إهانة أو نيل من كرامة الأشخاص، وهذا لا يحدث إلا باشاعة أجواء من الثقة بين جميع الأطراف.
أهمية مكافحة الفساد اليوم تنبع في قوة حضورها شعبيا، فالناس سوف يشعرون بأن الثقة يمكن استعادتها، والشارع الذي أقحم في اكراهات مختلفة من دعوات ضد التهميش والفقر والبطالة والفساد والخصخصة، سيجد اليوم أن تصحيح المسار بدأ، وان عافية الدولة يمكن استردادها، ولو كانت هناك تضحيات صعبة أحيانا.
في حديث الملك مؤخرا حول الفساد، ودفعه الحكومة والهيئات الرقابية لممارسة دورها، وفي زيارته لمناطق داخل العاصمة وخارجها، وفي وقوفه على واقع الخدمات والحاجات وبشكل مفاجئ، يمكن القول أن الكل عليه أن يتحسس رأسه، المسؤول النائم في مكتبه، والمدير الذي يحابي المعارف، والوزير المتقاعد إذا كان أخل في فترة وزارته، وبهذا فإن أهمية ما يجري اليوم في الاردن تكمن في قوّة التلقائية في ما لا يُنتظر، في ما يباغت به الملك المسؤولين: وهو لا يترك متّسعاً لردّة الفعل، لأن الملك في يقينه وكما قال أكثر من مرة: «إن المواطن لن ينتظر المزيد من الوعود».
في زيارتنا للقرى كمواطنين، نرى الكثير من الحاجات غير المقضية للناس، وكثيرا ما يثير الناس قضايا نستغرب وجودها في الأردن، وكلها ناتجة عن اعتلال في الإدارة العامة، وعن ابتعاد المسؤول عن تطبيق القانون، وعن غياب العدالة. وهنا فإني أخشى إذا اتّسع وتسارع الغضب، فنحن في الأردن لا نعرف ثقافة الجماهير، لقد عشنا على ثقافة الأهل والعزوة والعشيرة، تعلمنا الدرس الوطني جيدا، ارسل الآباء الأبناء للتعليم من حُر مالهم، إذا كانت الدلوة غير قادرة، صنعوا الفرص لابنائهم، ولم يكن هناك حزب يحكم فيحابي هذا أو ذاك، وكان ملوكنا على الداوم جزءا من الأسرة والعائلة الكبيرة.
اليوم تتغير العلاقات وتزداد حيوية وفاعلية في زمن سريع، لكننا نريد أن نظل في سياق بعيد عن الجماهير، نريد المواطنة، التي تقدمنا، وعلينا أن نتقدم بالايمان بفكرة الدولة وبتجديدها وإعادة الاعتبار للقانون والعقلانية في إدارتها.
ستؤسس هذا الحقبة لمستقبل تحدث عنه الملك مطولا، ويجب أن نكون على ثقة به، يجب أن لا نتوقف، ولا نتراجع، ولا نتنازل عن المضي في الإصلاح، فلا تفاوض على المستقبل، أو «إجهاض» محاربة الفساد أو المضي بها، لدينا قيادة تؤمن بالحرية وتعي كُنه المرحلة فلنُبقِ على اصرارنا بالاصلاح ولنتجه لمزيد من العقلانية في مواقفنا مما يجري.
الدستور