كشف تقرير عمالي صادر السبت وجود فجوة بين معايير العمل الدولية وواقع الممارسات الفعلي فيما يتعلق بالعمل اللائق. التقرير جاء ضمن سلسلة التقارير العمالية التي يصدرها المرصد العمالي التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية.
وهدف التقرير الى تحليل واقع تطبيق معايير العمل اللائق في الأردن على مستويين، تمثلاتا في فحص التشريعات العمالية الأردنية المتمثلة في قانون العمل الأردني وقانون الضمان الاجتماعي وغيرها من الأنظمة والتعليمات والقراات ذات العلاقة بالعمل، والثاني يتمثل في فحص واقع التطبيق الفعلي لمعايير العمل اللائق سواء كانت واردة في التشريعات الأردنية ذات العلاقة ام لا.
ويقصد بالعمل اللائق كما جاء في التقرير “ايجاد فرص عمل للنساء والرجال في ظروف من الحرية والمساوة والأمان والكرامة الانسانية، وتوفير الأمان للعاملين في مكان العمل وتوفير الحماية الاجتماعية للعاملين وأسرهم، وتوفير فرصا جيدة للتنمية الشخصية والمهنية والتشجيع على الاندماج الاجتماعي، واعطاء البشر الحرية في التعبير عن همومهم ومخاوفهم وتنظيم انفسهم والمشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم، وضمان تكافؤ الفرص والمعاملة المتساوية للجميع”.
توفير فرص العمل
ففي مجال توفير فرص العمل اشار التقرير أن هنالك خللا كبيرا في سياسات التشغيل المتبعة في الأردن منذ عقود. فبالرغم من أن عدد فرص العمل التي أوجدها الاقتصاد الأردني خلال السنوات الخمس الماضية كانت أعلى من اعداد خريجي المعاهد المهنية والفنية والجامعات، الا ان معدلات البطالة خلال السنوات الخمس الماضية ما زالت تحلق عاليا بمعدلات تتراوح ما بين ( 13-14 %) سنويا.
ويعزو “أحمد عوض” مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، ذلك الى غياب التنسيق والموائمة بين حاجات سوق العمل الأردني وسياسات التعليم المهني والفني والجامعي، وتراجع المستوى النوعي لخريجي معاهدنا وجامعاتنا، فحاجات سوق العمل وفرص العمل المستحدثة تختلف كثيرا عن المهارات التي يحملها ويمتلكها الداخلين الجدد الى سوق العمل من حيث النوع والمستوى، لذلك فإن جزءا كبيرا من فرص العمل المستحدثة تذهب الى العمالة الوافدة (المهاجرة).
وبين التقرير أن قطاع العمالة الوافدة يعاني من غياب التنظيم، فإلى جانب وجود أعداد كبيرة منهم بدون حصولهم على تصاريح عمل، فإن أعداد كبيرة منهم يعملون في قطاعات اقتصادية ومهن غير القطاعات والمهن التي منحوا بموجبها تصاريح العمل، وبعضهم يعملون في في النشاطات الاقتصادية غير النظامية أو يعانون من البطالة المؤقتة ويبحثون عن فرص عمل. وتقدر أعداد العمالة الوافدة في الأردن ب 500 الف غالبتهم من العمالة المصرية.
وحذر التقرير من ارتفاع مستويات البطالة بين فئة الشباب وخاصة بين الفئتين العمريتين 15-19 سنة و20-24 سنة، حيث بلغ 36.5% و28.1% لكل منهما على التوالي.
وفي هذا الاطار أوضح التقرير أهمية خطوة الحكومة في تطوير استراتيجية تشغيل شاملة، ولكنه أشار الى أن تطبيق هذه الاستراتيجية هو الفيصل والخطوة الهم. فالكثير من خطط وسياسات العمل التي تم تصميمها سابقا، لم نلمس لها أي أثر حقيقي وملموس على أرض الواقع.
الأجر اللائق
وفيما يتعلق بمؤشر الأجر اللائق، بين التقرير أن غالبية العاملين بأجر في الأردن لا يحصلون على أجور لائقة، توفر لهم الحياة الكريمة. إذ أن هنالك انخفاض واضح في معدلات الأجور لغالبية العاملين بأجر في الأردن، الأمر الذي ادى الى اتساع رقعة العمالة الفقيرة، فقد بلغ متوسط الأجر الشهري في عام 2010 (393) دينارا، العاملون منهم في القطاع العام يحصلون على أجور يبلغ متوسطها (337) دينارا، والعاملون في القطاع الخاص يبلغ متوسط اجورهم (415) دينارا شهريا.
وبين التقرير أن هذه المستويات من الأجور تقترب من خط الفقر المطلق (للأسرة المعيارية المكونة من 6 افراد) حسب الأرقام الأولية لدراسة الفقر للعام 2010 التي اجرتها دائرة الاحصاءآت العامة. والذي يقارب (350) دينارا شهريا. وتزداد خطورة ذلك عندما نعلم أن الحد الأدنى للأجور المعتمد في الأردن والذي يبلغ (150) ديناراً شهرياً بحسب التقرير.
وثمن التقرير خطوة الحكومة الأردنية تجاه رفع مستويات اجور العاملين في القطاع العام واعتبرها خطوة بالاتجاه الصحيح، ولكنها غير كافية لتصحيح خلل كبير ناجم عن انخفاض شديد في اجور العاملين في القطاع العام، وطالب التقرير الحكومة برفع مستويات اجور العاملين لديها بنسب تقربنا من مفهوم الأجر اللائق الذي يوفر حياة كريمة للعاملين. كذلك على الحكومة أن تتخذ جملة من القرارات لتشجيع و/أو اجبار القطاع الخاص على رفع اجور العاملين لديها.
التأمينات الاجتماعية
وفيما يتعلق بالتأمينات الاجتماعية أوضح التقرير ان درجة تغطية المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في نهاية عام 2010 بلغت (57.4) بالمائة من القوى العاملة فقط، ومن المتوقع أن تصل الى ما يقارب (60) بالمائة في نهاية عام 2011 بسبب استمرار تطبيق برنامج توسعة الشمول الذي طبقته المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي خلال الأعوام الماضية.
وأوضح “عوض” أن منظومة التأمينات الاجتماعية التي توفرها المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي ما زالت غير شاملة وفق المعايير الدولية الواردة في الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة. فالتأمين الصحي ما زال خارج هذه المنظومة، والتأمين ضد البطالة ينتابه القصور.
ورغم التعديلات الإصلاحية التي أجريت على قانون الضمان الاجتماعي في العام الماضي من خلال القانون المؤقت الذي أقرته الحكومة، إلا أن هنالك بعض الجوانب التي ما زالت غير عادلة، إذ نجد أن قواعد التقاعد المبكر التي ألغيت مؤخراً تطبق على جزء من المشتركين في الضمان الاجتماعي وهم العاملون في القطاع الخاص، بينما لا تطبق على العاملين في القطاع العام (الجهازين العسكري والمدني).
وكشف التقرير أن الأردن لم يصادق على أي اتفاقية من اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بالضمانات الاجتماعية والبالغ عددها 5 اتفاقيات.
تعزيز الحوار الاجتماعي بين العاملين وأرباب العمل
وفي جانب حق العاملين بالتفاوض مع أرباب العمل من أجل الدفاع عن حقوقهم وتحسين شروط عملهم، كشف التقرير عن أن غالبية عمال الأردن غير قادرين على تنظيم أنفسهم، ومحرومين من حق التنظيم النقابي، وبالتالي من حق التفاوض الصحي.
إذ ما زالت وزارة العمل ترفض تأسيس نقابات عمالية جديدة خارج إطار النقابات العمالية الرسمية ال (17) نقابة والتي لم يزيد عددها عن ذلك منذ أكثر من ثلاثة عقود، وما زال مبدأ التعددية النقابية غائبا عن الساحة الأردنية.
يأتي ذلك بالرغم من أن الأردن كان قد صادق على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ونشره في الجريدة الرسمية في عام 2006، والذي ينص صراحة على حق جميع العمال في تأسيس نقابات دون أي تدخل من جهة، كذلك لم يصادق الأردن حتى الآن على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (87) المتعلقة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم.
وهذه القوانين جعلت مساحة الحراك العمالي والنقابي الرسمي ضيقاً قياساً بمساحة الحراك العمالي والمطلبي لفئات المجتمع الأردني، الأمر الذي دفع مئات القطاعات العمالية المحرومين من التنظيم النقابي الى تنظيم انفسهم في تجمعات وهيئات خارج إطار الهيئات النقابية المعترف بها رسميا حسب القوانين المعمول بها، وظهرت لدينا في الأردن كذلك العديد من المجموعات التي نظمات نفسها في اطار النقابات العمالية المستقلة للدفاع عن حقوقها وتحسين شروط عملها، وحققت هذه المجموعات النقابية مكاسب نتيجة نضالاتها واضراباتها واعتصاماتها في مواقع عملها، ويوجد كذلك العديد من اللجان التحضيرية التي تقوم على تاسيس نقابات عمالية مستقلة، وتعمل حالياً على تشكيل اتحاد نقابي للنقابات العمالية المستقلة.
وهنالك خلل آخر يتعلق بالمفاوضة الجماعية والذي طالما أشتكى منه ممثلي العمال ونقاباتههم، والمتمثل في عدم سلاسة واستقلالية آليات المفاوضة الجماعية، ويعطي القانون الحق للحكومة بالتدخل في أي مرحلة من مراحل التفاوض، الأمر الذي يضعف دور النقابيين ويجردهم من أدواتهم الضاغطة.
تطبيق المبادئ والحقوق الاساسية في العمل
وفيما تعلق بتطبيق المبادئ والحقوق الأساسية في العمل الواردة في اعلان منظمة العمل الدولية المتعلق بالحقوق والمبادء الأساسية في العمل بعدا أساسيا من أبعاد العمل اللائق، أشار التقرير أن درجة تطبيقها في الأردن محدودة جدا، فما زالت عمالة الأطفال منتشرة بشكل كبير، ناهيك عن سوء المعاملة والاهانات النفسية والجسدية التي يتعرضون لها أثناء عملهم، على الرغم من أن قانون العمل الأردني يحظر تشغيل الأطفال ويتوائم بذلك مع معايير العمل الدولية.
وحسب التقرير لا زالت رقعة الانتهاكات التي يتعرض لها قطاع واسع من العاملين بأجر في الأردن تتسع، والتجاوزات على القوانين ذات العلاقة بالعمل تتزايد، اذ أن قطاعات واسعة من العاملين بأجر في الأردن يحصلون على أجور شهرية تقل عن الحد الأدنى للأجور البالغ (150) ديناراً، وأعداد كبيرة يستلمون أجورهم الشهرية في فترات زمنية متأخرة، كذلك هنالك قطاعات واسعة من العاملين لا يحصلون على حقوقهم في الإجازات السنوية والمرضية والرسمية.
وهنالك أيضاً انتهاكات كبيرة فيما يتعلق بساعات العمل، فما زال العديد من القطاعات العمالية التي يعملون أكثر من 8 ساعات يوميا دون الحصول على بدل عمل اضافي. كذلك تغيب شروط السلامة والصحة المهنية عن قطاعات واسعة من العاملين في المؤسسات المتوسطة والصغيرة والعاملين في القطاع غير النظامي. هذا بالإضافة إلى غياب الاستقرار الوظيفي عن عشرات الآلف العاملين بحيث يستطيع صاحب العمل الاستغناء عنهم بدون أسباب مقنعة. اذ ما زالت المواد القانونية المتعلقة بعملية انتهاء عقد العمل وتسريح العاملين والفصل التعسفي تعاني من الكثير من القصور، فقد عانت قطاعات واسعة من العمال الأردنيين من التسهيلات التي يقدمها قانون العمل لعمليات إنهاء خدمات العاملين.
توصيات التقرير
1.تعديل قانون العمل الأردني في مجال التنظيم النقابي أو اصدار قانون خاص ينظم العمل النقابي بشكل يتوائم مع معايير العمل الدولية . بحيث يسمح لجميع العاملين في الأردن من تنظيم انفسهم بحرية تامة، دون اخذ موافقات من وزارة العمل، والاكتفاء بإعلام الجهات الرسمية بذلك، ويقر مفهوم التعددية النقابية.
2.رفع مستويات الأجور لتصبح أكثر موائمة مع المستويات المرتفعة لأسعار السلع والخدمات الأساسية، وربطها بمؤشر التضخم.
3.رفع مستوى الحد الأدنى للأجور ليأخذ بعين الاعتبار مستوى خط الفقر المطلق المعتمد في الأردن والبالغ (350) دينارا للأسرة المعيارية (5.7) فردا، وربطة بمؤشر التضخم بشكل سنوي.
4.زيادة فاعلية أنظمة التفتيش المتبعة في وزارة العمل والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي والمؤسسات ذات العلاقة لضمان تطبيق الحدود الدنيا من الحقوق العمالية التي توفرها تشريعات العمل الأردنية.
5.تنظيم سوق العمالة الوافدة (المهاجرة).
6.إعادة النظر بمحتويات البرامج التدريبية التي تقدمها مؤسسة التدريب المهني، وإعادة تأهيل خريجي الجامعات من حملة الشهادة الجامعية الأولى لاكتساب مهارات تؤهلهم للحصول على وظائف يحتاجها سوق العمل.
7.إعادة النظر في المواد القانونية في قانون العمل والتي تيسر عمليات الفصل التعسفي للعاملين، وزيادة التعويضات للعاملين الذين يفصلون من أعمالهم بشكل تعسفي.
8. تحسين آليات المفاوضة الجماعية ومنح النقابات العمالية المزيد من الاستقلالية والحد من تدخل الحكومة فيها.
9.إلغاء المادة القانونية التي تمنع حدوث مفاوضات جماعية بين العمال الذين ليس لهم تمثيل نقابي مع أصحاب العمل. وإلغاء النص القانوني الذي يعطي وزير العمل صلاحية حل النقابة العمالية قبل اللجوء إلى القضاء.
10.المصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (87) المتعلقة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم، وفتح المجال أمام العمال لتشكيل نقاباتهم، واقرار مبدأ التعددية النقابية.