شباب نيوز _غزة
صرخات تطلق من أرواح معذبة في غزة
تقرير: إسراء حسن أبو عودة
أعلم جيدا ً أن الإبحار في سفينة الأمل لترسي على بر الأمان صعب وطويل, لكن المواطن ياسر عودة يعلم أنه ليس مستحيل.
لم أيأس لأن أملي بالله وبالناس الطيبة والخيرة كبير , هكذا قال المواطن ياسر عودة من مخيم الشاطئ في مدينة غزة الذي ناشدنا من قبل , لكن مناشدته لم تحرك ساكنا ً , ربما حركت البعض أو وُجد من لبى مناشدته , لكن الظروف وقفت عائقا ً أمامهم ولم تسمح بالوصول إليه , ونحن نعلم جيدا ً ما هي الظرف ومن الذي وقف عائقا ً .
اليوم يزداد وضعه سوءا ً وألما ً وفقرا ً , ويزداد جسمه وجعا ً , أما قلبه تلوع على أولاده الذي لا يكاد أن يوفر لهم قوت يومهم ومتطلباتهم الأساسية والضرورية ليعيشوا كباقي الأسر الغزية المستورة لا أكثر ولا أقل .
هم بحاجة إلى المال القليل, وبعض المعونات التي سيعيشون عليها, إلى ملبس جديد فهم يتوقون إلى ارتداء ثياب جديدة هم أول من يلبسوها, ليس ملابس بالية, مررت إلي أناس غيرهم, وبعد مرور وقت ٍ طويل وصلهم الدور ولبسوها هم. كيف تبدو تلك الملابس بعد أن لبسوها أُناس كثيرة ومكثت عندهم وقت ٌ طويل بل سنين ٌ طويلة ؟!
هم بحاجة أيضا ً إلي بيت جميل ليس بالضرورة أن يكون فخما أو كبيرا يسمح لهم أن يعيشوا به كبني البشر الآخر, لا يشابه ذاك الذي يعيشون فيه الآن.. والذي افتقرت اللغة العربية لاصطلاح ما يمكن أن تصف سوءه.
أبواب محطمة جدران متهالكة .. فراش قد مزقته الأيام وأصبح باليا لكثرة الاستخدام, أما الأثاث.. فلا أعرف عم أتحدث .
الفقر شبح يصر على ملاحقة هذه الأسرة المعذبة, ولا يترك لهم مجالا للراحة, ولا يترك برهة من الزمن ليعلن الهدنة مع أسرة ابتلعها الألم والجوع والحاجة.
قال عودة " إن صعوبة الحياة وحالة الفقر أجبرتني على أن أسمح لأطفالي أن يتركوا مدرستهم , والذهاب إلى العمل لعل الأبواب التي أوصدت في وجهي تفتح في وجههم ويساعدوني في هذه الحياة الجبارة , ليقفوا بجانبي في محكمة الحياة التي نطقت بالحكم علينا , وكانت أحكامها مؤلمة ومجحفة , حكمت علينا بإعدام العيش بكرامة , وحكمت على أولادي بإعدام طفولتهم التي سُلبت منهم , فهم ينظروا إليها وهي تركض بعيدا ً عنهم ولا يستطيعون أن يرجعوها في هذا الوقت الصعب ." يا لها من محكمة قاسية
أما والدته المسنة التي أصرت أن توصل كلماتها هذه ليسمعها كل العالم كما قالت : " يحاول ولدي أن ينسى همه ووجعه ومرضه فهو يعاني من مشاكل في كليته الوحيدة المتبقية لديه , ويواصل الليل بالنهار ليحصل على القليل من المال والمعونات ليسد رمق أطفاله ويشبع حاجتهم , ويسكنهم في بيت تتوفر فيه مقومات العيش , ليس كهذا البيت , انظري إلى هذا البيت , من يستطيع أن يعيش فيه "
توجه أسئلتها لي وتقول: هل شاهدتي المنزل, كيف بدت لكِ الجدران المتداعية, والفراش الممزق, والأبواب المتهالكة.
ماذا أقول عن المطبخ أو الحمام بعد أن شاهدتهما, هي كفوف صغيرة ضيقة ومظلمة, تطلق هذه الحاجة صرخة من روح معذبة, أخرجونا مما نحن فيه يا بني البشر.
بهذه الكلمات التي انفجرت بها الحاجة وبعد أن إغرورقت عيونها بالدمع, أنهيت مقابلتي وغادرت المنزل وقد انفجرت دموعي حزنا وألما وتأثرا, ولم أستطع نسيان ما شاهدت وما سمعت, والذي أوجع روحي كثيرا ودفعني إلى مخاطبة بني الإنسان في شعبنا .