مَن دروس العبادات : حَسْم مادة الْخِلاف ، ومِن ذلك : قَطْع الجدال ..
وفي السيرة في خَبَر غزوة بني المصطلق : أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمّا بَلَغَتْه مَقَالَة المنافقين مَشَى بِالنّاسِ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ حَتّى أَمْسَى ، وَلَيْلَتَهُمْ حَتّى أَصْبَحَ وَصَدْرَ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ حَتّى آذَتْهُمْ الشّمْسُ ، ثُمّ نَزَلَ بِالنّاسِ فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ وَجَدُوا مَسّ الأَرْضِ فَوَقَعُوا نِيَامًا ، وَإِنّمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَشْغَلَ النّاسَ عَنْ الْحَدِيثِ الّذِي كَانَ بِالأَمْسِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ .
وفي الحج قال الله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)
قال ابن كثير : وقوله : (وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) فيه قولان :
أحدهما : لا مُجَادَلة في وقت الحج وفي مناسكه ، وقد بَيّنه الله أتَمّ بيان ، ووضحه أكْمَل إيضاح. كما قال وَكِيع عن العلاء بن عبد الكريم : سمعت مجاهدًا يقول : (وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) قد بَيَّن الله أشهر الحَج ، فليس فيه جِدال بَيْن الناس .
وقال ابن أبي نَجِيح عن مجاهد : (وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) قال : لا شهر يُنْسَأ ، ولا جدال في الحج ، قد تَبَيَّن ، ثم ذَكر كيفية ما كان المشركون يصنعون في النسيء الذي ذَمّهم الله به ...
وقد اختار ابن جرير مضمونَ هذه الأقوال ، وهو قطع التنازع في مناسك الحج .
والقول الثاني : أن المراد بالجدال هاهنا : الْمُخَاصَمَة . اهـ .
وروى ابن جرير عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم أنهما قالا : الجدال أن يُمَارِي صاحِبه ويُخَاصِمه حتى يُغْضِبه .
وفي الصيام جاء النهي عن كل ما يَخْدش الصيام ، مِن السَّبّ والشتم والصّخب ، والجهل والجدال .
ففي الحديث : إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّى صَائِمٌ ، إِنِّى صَائِمٌ . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري : الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلاَ يَرْفُثْ ، وَلاَ يَجْهَلْ وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ ، أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ .
وفي رواية : فَلاَ يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَسْخَبْ .
قال ابن حجر : ولِسعيد بن منصور مِن طَريق سُهيل بن أبي صالح عن أبيه : فلا يَرْفُث ولا يُجَادِل .
ونَقَل ابن حجر عن القرطبي قوله : لا يُفْهَم مِن هذا أن غير الصوم يُبَاح فيه ما ذُكِر ، وإنما المراد أن المنع مِن ذلك يَتَأكّد بِالصَّوم . اهـ .
وجاء الضمان بِبَيت في الجنة لِمَن ترك الجدال ، وإن كان مُحِقًّا .
ففي الحديث : أنا زَعيم بِبَيت في رَبَض الجنة لمن تَرَك المراء وإن كان مُحِقًّا ، وبِبَيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسَّن خُلُقه . رواه أبو داود . وحسّنه الألباني .
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ثلاث مَن كُنّ فيه يَجِد بهن حلاوة الإيمان : تَرْك الْمِرَاء في الحق ، والكذب في المزاحة ، ويَعْلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه .
فإذا كان الحديث جاء في الحث على تَرْك المراء وإن كان الإنسان مُحِقًّا ، فهو آكَد في النهي عن المراء والجدال لِمَن لم يَكن مُحِقًّا .
وإنما جاء الحث على تَرْك المراء وإن كان الإنسان مُحِقًّا رعاية لِحَقّ أخيه الذي يُجادِله ؛ لأنه إذا كان أحدهما مُحِقّا ، كان الآخر مُبْطِلا ، فهو يَتْرُك المراء لئلا يتمادى صاحبه في اللجاج بالباطل .
وجاء ذمّ الجدل تحذيرا منه ، وتنفيرا عنه ..
ففي الـتَّنْزِيل : (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا)
قال ابن كثير : أي : لا تُجْهِد نفسك فيما لا طائل تحته ، ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلاَّ رَجْم الغيب . فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف : أن تَستوعب الأقوال في ذلك المقام ، وأن تُـنَبِّه على الصحيح منها ، وتُبْطِل الباطل، وتَذكر فائدة الخلاف وثمرته ؛ لئلا يطول الـنِّزَاع والخلاف فيما لا فائدة تحته ، فتشتغل به عن الأهم فالأهم . اهـ .
وقال ابن جُزيّ : لا تمارِ : مِن المراء وهو الجدال والمخالفة والاحتجاج . اهـ .
وفي الحديث : مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ , إِلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ , ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وحسّنه الألباني والأرنؤوط .
وفي الصحيحين من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ .
قال الصنعاني : أي : الشديد المراء ، أي : الذي يَحُجّ صاحبه ، وحقيقة المراء طَعْنك في كلام غيرك لإظهار خَلل فيه لِغير غَرض سِوى تَحقير قائله ، وإظهار مَزِيّتك عليه .
والجدال هو ما يَتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها ، والخصومة لِجَاج في الكلام لِيستوفى به أو غيره . ويكون تارة ابتداء ، وتارة اعتراضا ، والمراء لا يكون إلاَّ اعتراضا ، والكل قبيح إذا لم يكن لإظهار الحق وبيانه ، وإدحاض الباطل وهدم أركانه .
وأما مُنَاظَرة أهل العلم للفائدة - وإن لم تَخْلُ عن الجدال - فليست داخلة في النهي .
وقد قال تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، وقد أجمع عليه المسلمون سَلَفًا وخَلَفا . اهـ .
وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عليّ وفاطمة رضي الله عنهما ليلاً ، فقال : أَلا تُصَلِّيَانِ ؟ فقال عليّ رضي الله عنه : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا . قال : فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ ، وَهُوَ يَقُولُ : (وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) . رواه البخاري ومسلم .
وما ذلك إلاّ لِقِلّة نَفْع المراء ..
يُرْوَى أن سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام قال لابنه : يا بني إياك والمراء فإن نَفْعه قليل ، وهو يُهيج العداوة بين الإخوان .
وقال بِلال بن سعد : اذا رأيت الرجل لَجُوجًا مُمَارِيا مُعْجَبا بِرأيه فقد تَمَّتْ خَسَارته .
وقال الأَوْزَاعِيّ : إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ شَرًّا فَتْحَ عَلَيْهِمُ الْجَدَلَ وَمَنَعَهُمُ الْعَمَلَ .
وقال مَعْرُوف الْكَرْخِيّ : إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَتْحَ لَهُ بَابَ الْعَمَلِ ، وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْجَدَلِ ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا فَتْحَ لَهُ بَابَ الْجَدَلِ ، وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْعَمَلِ .
وقال ذو النون : ثلاثة من أعمال الكِياسة : ترك المراء والجدال في الدِّين ، والإقبال على العَمل بِيسير العِلْم ، والاشتغال بإصلاح عيوب النفس غافلا عن عيوب الناس .
نسأل الله أن نكون ممن شُغِل بإصلاح عيوب نفسه ، لا مُمَارِيًا ولا مُرَائيًا .
الشيخ عبدالرحمن بن السحيم
وفي السيرة في خَبَر غزوة بني المصطلق : أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمّا بَلَغَتْه مَقَالَة المنافقين مَشَى بِالنّاسِ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ حَتّى أَمْسَى ، وَلَيْلَتَهُمْ حَتّى أَصْبَحَ وَصَدْرَ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ حَتّى آذَتْهُمْ الشّمْسُ ، ثُمّ نَزَلَ بِالنّاسِ فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ وَجَدُوا مَسّ الأَرْضِ فَوَقَعُوا نِيَامًا ، وَإِنّمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَشْغَلَ النّاسَ عَنْ الْحَدِيثِ الّذِي كَانَ بِالأَمْسِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ .
وفي الحج قال الله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)
قال ابن كثير : وقوله : (وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) فيه قولان :
أحدهما : لا مُجَادَلة في وقت الحج وفي مناسكه ، وقد بَيّنه الله أتَمّ بيان ، ووضحه أكْمَل إيضاح. كما قال وَكِيع عن العلاء بن عبد الكريم : سمعت مجاهدًا يقول : (وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) قد بَيَّن الله أشهر الحَج ، فليس فيه جِدال بَيْن الناس .
وقال ابن أبي نَجِيح عن مجاهد : (وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) قال : لا شهر يُنْسَأ ، ولا جدال في الحج ، قد تَبَيَّن ، ثم ذَكر كيفية ما كان المشركون يصنعون في النسيء الذي ذَمّهم الله به ...
وقد اختار ابن جرير مضمونَ هذه الأقوال ، وهو قطع التنازع في مناسك الحج .
والقول الثاني : أن المراد بالجدال هاهنا : الْمُخَاصَمَة . اهـ .
وروى ابن جرير عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم أنهما قالا : الجدال أن يُمَارِي صاحِبه ويُخَاصِمه حتى يُغْضِبه .
وفي الصيام جاء النهي عن كل ما يَخْدش الصيام ، مِن السَّبّ والشتم والصّخب ، والجهل والجدال .
ففي الحديث : إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّى صَائِمٌ ، إِنِّى صَائِمٌ . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري : الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلاَ يَرْفُثْ ، وَلاَ يَجْهَلْ وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ ، أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ .
وفي رواية : فَلاَ يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَسْخَبْ .
قال ابن حجر : ولِسعيد بن منصور مِن طَريق سُهيل بن أبي صالح عن أبيه : فلا يَرْفُث ولا يُجَادِل .
ونَقَل ابن حجر عن القرطبي قوله : لا يُفْهَم مِن هذا أن غير الصوم يُبَاح فيه ما ذُكِر ، وإنما المراد أن المنع مِن ذلك يَتَأكّد بِالصَّوم . اهـ .
وجاء الضمان بِبَيت في الجنة لِمَن ترك الجدال ، وإن كان مُحِقًّا .
ففي الحديث : أنا زَعيم بِبَيت في رَبَض الجنة لمن تَرَك المراء وإن كان مُحِقًّا ، وبِبَيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسَّن خُلُقه . رواه أبو داود . وحسّنه الألباني .
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ثلاث مَن كُنّ فيه يَجِد بهن حلاوة الإيمان : تَرْك الْمِرَاء في الحق ، والكذب في المزاحة ، ويَعْلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه .
فإذا كان الحديث جاء في الحث على تَرْك المراء وإن كان الإنسان مُحِقًّا ، فهو آكَد في النهي عن المراء والجدال لِمَن لم يَكن مُحِقًّا .
وإنما جاء الحث على تَرْك المراء وإن كان الإنسان مُحِقًّا رعاية لِحَقّ أخيه الذي يُجادِله ؛ لأنه إذا كان أحدهما مُحِقّا ، كان الآخر مُبْطِلا ، فهو يَتْرُك المراء لئلا يتمادى صاحبه في اللجاج بالباطل .
وجاء ذمّ الجدل تحذيرا منه ، وتنفيرا عنه ..
ففي الـتَّنْزِيل : (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِرًا)
قال ابن كثير : أي : لا تُجْهِد نفسك فيما لا طائل تحته ، ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلاَّ رَجْم الغيب . فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف : أن تَستوعب الأقوال في ذلك المقام ، وأن تُـنَبِّه على الصحيح منها ، وتُبْطِل الباطل، وتَذكر فائدة الخلاف وثمرته ؛ لئلا يطول الـنِّزَاع والخلاف فيما لا فائدة تحته ، فتشتغل به عن الأهم فالأهم . اهـ .
وقال ابن جُزيّ : لا تمارِ : مِن المراء وهو الجدال والمخالفة والاحتجاج . اهـ .
وفي الحديث : مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ , إِلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ , ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وحسّنه الألباني والأرنؤوط .
وفي الصحيحين من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ .
قال الصنعاني : أي : الشديد المراء ، أي : الذي يَحُجّ صاحبه ، وحقيقة المراء طَعْنك في كلام غيرك لإظهار خَلل فيه لِغير غَرض سِوى تَحقير قائله ، وإظهار مَزِيّتك عليه .
والجدال هو ما يَتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها ، والخصومة لِجَاج في الكلام لِيستوفى به أو غيره . ويكون تارة ابتداء ، وتارة اعتراضا ، والمراء لا يكون إلاَّ اعتراضا ، والكل قبيح إذا لم يكن لإظهار الحق وبيانه ، وإدحاض الباطل وهدم أركانه .
وأما مُنَاظَرة أهل العلم للفائدة - وإن لم تَخْلُ عن الجدال - فليست داخلة في النهي .
وقد قال تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، وقد أجمع عليه المسلمون سَلَفًا وخَلَفا . اهـ .
وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عليّ وفاطمة رضي الله عنهما ليلاً ، فقال : أَلا تُصَلِّيَانِ ؟ فقال عليّ رضي الله عنه : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا . قال : فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ ، وَهُوَ يَقُولُ : (وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) . رواه البخاري ومسلم .
وما ذلك إلاّ لِقِلّة نَفْع المراء ..
يُرْوَى أن سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام قال لابنه : يا بني إياك والمراء فإن نَفْعه قليل ، وهو يُهيج العداوة بين الإخوان .
وقال بِلال بن سعد : اذا رأيت الرجل لَجُوجًا مُمَارِيا مُعْجَبا بِرأيه فقد تَمَّتْ خَسَارته .
وقال الأَوْزَاعِيّ : إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ شَرًّا فَتْحَ عَلَيْهِمُ الْجَدَلَ وَمَنَعَهُمُ الْعَمَلَ .
وقال مَعْرُوف الْكَرْخِيّ : إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا فَتْحَ لَهُ بَابَ الْعَمَلِ ، وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْجَدَلِ ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا فَتْحَ لَهُ بَابَ الْجَدَلِ ، وَأَغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْعَمَلِ .
وقال ذو النون : ثلاثة من أعمال الكِياسة : ترك المراء والجدال في الدِّين ، والإقبال على العَمل بِيسير العِلْم ، والاشتغال بإصلاح عيوب النفس غافلا عن عيوب الناس .
نسأل الله أن نكون ممن شُغِل بإصلاح عيوب نفسه ، لا مُمَارِيًا ولا مُرَائيًا .
الشيخ عبدالرحمن بن السحيم