من الصحيح أن هيبة الدولة تراجعت في السنوات الأخيرة وهو الأمر الذي ذهب إليه رئيس التحرير المسؤول لجريدة الدستور محمد حسن التل مؤخراً .،
وصحيح أيضاً أن من الأسباب عدم احترام التشريعات والقوانين والفساد وتراجع هيبة المعلم وسياسات الاسترضاء .،
ولكن لم حدث ويحدث ذلك،ومن الذي يجرؤ أولاً على الضرب عرض الحائط بالقوانين والتشريعات،ولم تراجعت هيبة المعلم مربي الاجيال وصانع المستقبل، ولم تلجأ الحكومات المتعاقبة إلى اتباع سياسة الاسترضاء. وهل تراجع هيبة الدولة تم هكذا خلال سنوات قليلة في معزل عن تراكمات طويلة ومستجدات جديدة ضاغطة.،
لا بد أن خرق القوانين أول ما يبدأ (ومثل هذا يحدث في كل مكان وليس في الأردن فحسب) من قبل أقوياء قادرين على خرقه(إنما أهلك الله الأمم التي من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم القوي تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)ولا بد أن التمييز سواء بين القوي والضعيف أو الغني والفقير أو أي تمييز آخر،يسقط قاعدة احترام القانون ويشجع على خرقه ،وبالتالي فالعدل هو القاعدة الرئيسة لاحترام القانون وتطبيقه الطوعي النابع من الذات.،
الأمر الثاني سن تشريعات عادلة يتساوى الجميع فيها،وهذا يتطلب مشرّعين(نواباً) أسوياء أكفياء يمثلون إرادة الشعب الأردني ولم يأتوا بطرق نعرفها،ما يتطلب أيضاً قانون انتخابات عادلا .،
والمجيء بنواب يمثلون إرادة الشعب يقود للمجيء بحكومات تمثل إرادته أيضاً،ومثل هذه الحكومات ستمارس ولايتها كاملة، ولا تكون في حاجة لاسترضاء أي شخصية أو جهة أو اتجاه.. ومثل هكذا حكومات لن تخشى ممارسة العدل في كل شيء ومحاربة الفساد بقوة وثقة باعتبارها تستند لإرادة الشعب، ولن تكون خائفة على مدى عقود من إقامة نقابة للمعلمين ـ مثلاً ـ بكافة الصلاحيات النقابية،وبالتالي لن نرى معلمين لا بواكي لهم،يُضربون ويُهانون ويضطرون لممارسة أعمال إضافية لسد احتياجاتهم الملحة ما يشتت قدراتهم ويشكل إهانة لمهنتهم النبيلة والمهمة التي ينخر عدم احترامها في أساسات العملية التربوية ومستقبل أجيالنا. ومن هنا نرى جدلية المشكلة وترابط الحلول الموصلة إلى حلها .،
ومن الأسباب التي أدت إلى تراجع هيبة الدولة تراجع دورها الاقتصادي جراء الخصخصة ، ولكي يكون الأمر واضحاً، نحن لا نقول بسيطرة الدولة على كل مفاصل الحياة الاقتصادية، ولكن ينبغي أن تمسك بالمفاصل الإستراتيجية كالفوسفات والبوتاس والإسمنت والكهرباء والمياه والموانئ والمطارات والسكك الحديدية والاتصالات والغاز والصخر الزيتي والبحر الميت وبترا.. الخ. وهو ما لم يحدث.ثم ننشىء وزارة لقطاع عام غير موجود بعناه بأدنى الأسعار .،
ومن الأسباب تراجع التجنيد العام في الجيش(بعد معاهدة وادي عربة) وهي المؤسسة الوطنية الجامعة في كل دول العالم التي تتبع سياسة التجنيد العام، فمؤسسة الجيش تكرس وحدة الأمم والشعوب وتحفظ قيم الأوطان وتصونها وتحافظ على امنها وعزتها واستقرارها وحدودها. وعندما يتجاوز الصهاينة على هيبة الدولة الأردنية ويهددون مستقبلها واستقرارها علنا ومن قبل اعلى المستويات فيها، ولا نتحرك ونبقي على سفارتهم على الأرض الأردنية، يشعر المواطن الأردني البسيط وغير العادي أن هيبة الدولة لم تعد متوفرة فيتجرأ أكثر على عدم احترامها.،
ولا بد أن مثل هكذا تراجع لم يحدث في يوم وليلة وإنما هو ناجم عن تراكمات سلبية متصلة أوصلت إلى ما أوصلت البلد إليه من تراجع هيبة الدولة الأردنية.واستعادة هذه الهيبة تتطلب إرادة سياسية وإدراكاً عميقا للمسببات وأحصنة مختلفة لا تنافق ولا ترش سكراً على الموت ولا تزعم غير ما هو عليه الواقع، فقد أضر أؤلئك كثيراً بمؤسسة العرش ومستقبل الدولة الأردنية وحالوا دون تحقيق الإصلاح واجتثاث الفساد وتركز همهم على تدبيج التقارير والمصطلحات المخادعة لإقناع الخارج بأن أمورنا على أحسن ما يكون عليه الحال،وبالتالي استحلاب الثناءات من البنك وصندوق النقد الدوليين ومؤسسات القرار الأمريكية والأوروبية في معزل عن واقع تعشش فيه الأخطاء والخطايا المزمنة والمتتابعة .
الدستور