ليست صدفة سارة أن تتعطل السيارة التي تقلك منتصف الليل على طريق صحراوي وأنت هارب أصلا من جحيم ملاحقة أمنية، لكنها بالتأكيد كانت صدفة الخلاص بالنسبة لأم آدم، وهي سيدة مصرية الجنسية والمتزوجة من مواطن سوري، إذ استطاعت أخيرا العبور برفقة طفليها بعد معاناة كبيرة للأراضي الأردنية.
فبعد عدة كليومترات من نقطة حدود جابر على الحدود الأردنية السورية في محافظة المفرق تفاجأت أم آدم ومن يرافقها بتعطل سيارة السفريات التي استقلوها من دمشق على الطريق الدولي “عمان-دمشق” بعد منتصف الليل بقليل على مدخل إحدى البلدات على جانب الطريق.
بعد قراراها مغادرة سوريا على عجل بعد ما تيقن لها خطورة البقاء هناك، كان تعطل السيارة بداية الخلاص لأم آدم من رحلة عذاب عاشتها مع طفليها لعدة أيام، كما تقول”،فقد لجأ السائق إلى أحد أهالي بلدة ثغرة الجب الواقعة على الطريق الدولي، وطلب منه إذا كان بالإمكان توصيل ركاب السيارة إلى عمان فهو سيعود إلى دمشق.
لم يتأخر أحمد البدارين بالاستجابة وأوصلها مع الركاب الآخرين إلى عمان، وبعد أن تفرق الركاب كل بوجهته، لاحظ أن أم آدم واقفة بلا حراك ممسكة بارتباك وقلق بيد أطفالها، فعرف أنها لا تعرف أحدا في العاصمة ولاتملك أي مال، فعرض عليها أن يعيدها معه لتقضي ليلتها لدى سيدة مصرية مقيمة في بلدة ثغرة الجب.
تروي الثلاثينية أم آدم قصة هروبها المريرة من الأراضي السورية بدءا من مدينة حمص التي وصفتها بـ”المنكوبة”،وتقول”،خرجنا من حمص على عجل خوفا مما قد نتعرض له بعد دخول الجيش إليها، لم نكن وحدنا فعشرات العائلات نزحت هاربة بعد أن تناهي لمسامعهم نية السلطات السورية باقتحام المدينة،”.
تقول أم آدم: “أرسل لنا زوجي خبرا عبر وسيط وبشكل سري بأن اخرجو فورا من حمص فالجيش يتحرك لمحاصرتها، وعرفنا بأنه يجب علينا بالفعل الخروج حالا دون أن نحمل شيئا، سوى بعض الأطعمة الخفيفة للأطفال، ولم يحدد زوجي لأي منا أي اتجاه يسلك فهو نفسه لا يعلم كما قيل لنا، فتوجهت أنا وطفلي مع عدد من الأشخاص إلى دمشق،”
واختارت أم آدم أن تعود إلى مصر عبر الأردن، فليس هناك خيار آخر متاح كما تقول، فالأوضاع في سوريا تزداد اشتعالا وخاصة في مدينة حمص التي كانت تقيم فيها و طفليها “فتاة في السادسة، وولد في الثامنة”، مع عائلة زوجها الذي لم تره منذ اشتعال الأحداث في سوريا آذار الماضي.
تشرح أم آدم تفاصيل رحلتها المؤلمة،”قطعنا أنا وأطفالي الطريق إلى دمشق مع عشرات الأشخاص مشيا على الأقدام لمدة ثلاثة أيام مرعبة عبر الأحراش والبساتين بعيدا عن الشارع العام خوفا من الاعتقال أو القتل وكانت تصلنا من بعيد أصوات رصاص وانفجارات وآليات الجيش الثقيلة..،إنها حرب حقيقة،”
وتتابع أم آدم”وصلنا إلى دمشق وتفرق كل منا باتجاه، قصدت الجامع الأموي بحثا عن مأوى مؤقت وطعام لأطفالي، لكنني لم أوفق بأي منهما فمجرد أن حل الظلام طالب القائمون على المسجد هناك الزوار بمغادرة المسجد، فلم أجد أمامي خيارا إلا استكمال رحلة هروبي التي أشد ما آلمني خلالها ما تعرض له أطفالي من رعب وخوف ومعاناة”.
“كانت لحظات الاستجواب والتحقيق من الجانب السوري على الحدود الأردنية السورية هي الأقسى التي تعرضت لها أم آدم وتحديدا عن سبب مغادرتها لسوريا الآن، ولكن بالنهاية أنقذتها العناية الآلهية،”كما تقول لتعبر هي وطفليها بالنهاية إلى “طريق الخلاص”.
تقول أم آدم،”كم قطعت هذا الطريق الدولي أثناء سفري من وإلى مصر خلال سنوات زواجي العشر، لكنني لم أتصور أن يكون القاطنون في إحدى البلدات على جانبيه منقذين لي في أحلك لحظات حياتي سوادا، ووسط الهروب من قمع وتنكيل السلطات السورية ضد الثائرين والمطالبين بالحرية هناك”،وتؤكد،”كل شيئ مباح ومستباح،”.
ينقل أفراد العائلة الذين استقبلوا أم آدم واستضافوها في منزلهم حالتها لدى وصولها”،كان منظرها وأطفالها يدمي القلب، كأنها خرجت للتو من كهف، فلم يأكلو طعاما منذ أيام، “فقد دفعهم الجوع إلى تناول الحشائش وألأعشاب”، ويتملكهم الرعب لدى أي حركة أو رؤية شخص غريب”.
تؤكد أم آدم،”لقد أزالت إقامتي في هذه البلدة الأردنية لمدة أسبوع عن كاهلي التفكير بكل الأحداث المؤلمة التي واجهتها مع طفلي وعشرات الأبرياء أثناء هروبنا من الأحداث في سوريا، فلا يمكن لأي فضائية أو وسيلة إعلام أن تصف بشكل حقيقي حجم المعاناة والرعب هناك خاصة على الأطفال”.
أم آدم وصلت بالفعل إلى مدينة الإسكندرية بعد مساعدة الأهالي المعنوية والمادية، ولكن السؤال يظل حول مصير طفليها، فبعد ثلاثة أشهر سيكون من الضروري أن يغادروا مصر لعدم وجود إقامة..فجنسيتهما سورية، فالظلم مستمر سواء على من بقوا في الداخل أو على من استاطعوا الهروب والنجاة بحياتهم، على حد وصفها.