لا يجادل الأردنيون بأن رئيس الحكومة عون الخصاونة نزيه ولم يتلوث في اللعبة السياسية ولم تلاحقه الإشاعات والاتهامات في السنوات الماضية، وهذا يعني بأن طريق الرئيس معبدة مع الشارع دون أحكام مسبقة وصورة نمطية تشوش على حركته.
وفي المقابل فان الخصاونة يتولى رئاسة الفريق الوزاري في لحظة مفصلية في تاريخ الأردن ارتفع فيها صوت المطالبة بالحرية والعدالة ومكافحة الفساد كما ارتفع في عواصم الربيع العربي، والأهم إذا كان التهرب من هذه الاستحقاقات ممكنا في سابق الأيام فان الأمر أصبح مستحيلا الآن، وهذا يضع الرئيس أمام تحد لا يمكن الاستهانة به، ولا يمكن التنصل منه، ويزيد من صعوبة الظروف التي يمر بها الرئيس تفاقم الأزمة الاقتصادية في العالم وبالأردن ومحدودية هامش التحرك لمجابهة بعض المشكلات وتحديدا المالية.
إذن الرئيس الخصاونة يحتاج إلى خارطة طريق للتعامل مع الملفات الشائكة والتي تزايدت بفعل تخبط حكومة معروف البخيت السابقة، فمن جهة عليه نزع فتيل الشارع المحتقن وإعادة بناء الثقة مع الناس التي شرخت وربما انقطعت، وهو مطالب في المضي في طريق الإصلاحات الدستورية، لأن التعديلات التي تمت جيدة لكنها لم تقنع الناس ومازالوا يطالبون بتعديلات إضافية تعزز البناء الديمقراطي.
ويسبق هذه القضايا الولاية العامة للحكومة التي كانت وستبقى مثار جدل وشد وجذب داخل كل الحكومات ، ورغم تصريحات الخصاونة الحاسمة بأنه حصل على كل الضمانات لبسط سيادة الحكومة فان الأمر يبدو مربكا وإشكاليا
الرسالة التي أرسلها الرئيس الخصاونة طوال الأسبوع الماضي حملة تطمينات وامتصت قليلا من غضب الشارع ولأول مرة تخرج المسيرات ولا تهتف بسقوط الحكومة، وفي نفس الوقت فان سلسة المشاورات مع أطراف الطيف السياسي وخاصة الإسلاميين كانت بداية موفقة مع أن تصريحات الخصاونة رفعت سقف التوقعات والخوف من إحباط الشارع عندما لا تسير الرياح كما تشتهي الحكومة.
لو كنت مكان رئيس الحكومة لما تعجلت في إعلان الحكومة ولأمضيت شهرا في أعداد طبخة التشكيل حتى أعطي للمشاورات مع كل الأطراف دورا أساسيا وحتى تكون مقدمة لنهج الحكومات البرلمانية.
التشكيلة النهائية للحكومة لا توحي بتغيرا جذريا في آليات بناء الحكومات وهي مزيج بين شباب وكهول كما قال الرئيس، وكثير منهم تقلد المنصب الوزاري وبعضهم يحسب على التكنوقراط وقلة منهم يعرف عنه بأن له رؤية سياسية، والخوف الأكبر كيف تصنع تجانسا بين هذه التوليفة الوزارية؟
لم يوفق الرئيس الخصاونة حين قال بأن الجغرافيا والديمغرافيا والنزاهة ستحكمه في اختيار الفريق الوزاري، فقد غاب عن كلامه معيار الكفاءة، ولم يتعامل مع المتغيرات السياسية التي تحكم الشارع الآن والحاجة الملحة لحكومة أقطاب وطنية وأن زمن الكوتا والمحاصصة لم يعد مقبولا!
انفتح رئيس الحكومة على الإعلام خلال تشكيلة للحكومة وهذا يحسب له ويكشف عن انفتاحه وشفافيته، وهذا أتاح في الوقت ذاته لتصيد زلات لسانه وأخطائه وتحليل كل ما يقوله ويفعله، وأكثر ما يثير القلق إشارته إلى أهمية تعديل المادة (74) من الدستور والتي لا تتيح لرئيس الحكومة الذي يحل البرلمان أن يعود ليشكل الحكومة وفهم من كلامه أنه يريد أن يحصن نفسه ليعود رئيسا للحكومة إذا حل البرلمان الحالي للدعوة لانتخابات مبكرة
من حظ الرئيس أنه كلف بتشكيل الحكومة وتزامن ذلك مع تعيين فيصل الشوبكي مديرا جديدا للمخابرات العامة، فالشوبكي رجل مخابرات محترف ومشهود له بذلك، وضليع ومتابع للمشهد المحلي بكافة تفاصيله ويستطيع أن يكون عونا للحكومة في تذليل الصعاب التي تعترضها، ويكتسب هذا الأمر أهمية مع توجيهات جلالة الملك لمدير المخابرات بأن تكون سياسة الجهاز داعمة لمسيرة الإصلاح، وهذا يفرض معاينة المشهد الأردني بمقاربة جديدة تبتعد عن المعالجات الأمنية التي اعتمدت سابقا، وفرص المدير الجديد أوسع في فهم المعادلات الجديدة مع الربيع العربي خاصة وأنه لم يعد ينظر للأمور فقط من منظار أمني، بل شاهد التحولات السياسية وهو يرتدي بزة دبلوماسية، وهذا مما يزيد حكمته وسعة أفقه.
لن يأخذ رئيس الحكومة “شهر عسل” طويلا، وباعتقادي أن الشارع لن يمنحه مهلة المائة يوم وسيرصده منذ البداية لان الحال تغير كثيرا عن الزمن الذي تولى فيه عون الخصاونة رئاسة الديوان الملكي في عهد المغفور له الملك الحسين رحمه الله.
الحكومة أمام اختبارات الثقة والحياد والنزاهة وربما أولها انتخابات مجلس النواب القادم، فلننتظر ونرَ؟!