الصداقة لا تنتهي وإن تقطعت الطرق يوما بها تظل أبوابها مشرّعة، ولكن الحب إن شد رحاله مودعا فإنه لا يعود، فمن نحبه وننساه باعتماد موثق من قلوبنا لا يعود توقيعه أبدا على أوراق حياتنا
وإن شد الصديق أشرعته قد يعود بها النسيم يوما إلى شواطئنا، ولكن إن شد الحبيب أشرعته حتما ستردها العواصف وتشدها بقوة إلى شواطئنا ثانية، فالحبيب لا يقوى على الفراق وإن طال الزمن
شجرة الصداقة تظل مورقة، وإن زارها الخريف تعود وتورق في صيف جديد، ولكن شجرة الحب ليس لها إلا أن تعيش ربيعا دائما أو خريفا أبديا
وأما الأصدقاء فهم كدرجات السلالم، تقف صداقتهم على مختلف درجاته صعودا ونزولا، فبعيد الأمس قد يصبح قريبا، وقريب اليوم قد يصبح بعيدا، ولكن الحبيب يأبى إلا الوقوف عاليا على القمة ولا يرضى إلا أن يصبح في عمق أعماقنا
والصديق ملك مشاع للجميع، ولكن من نحبه لا نريده إلا ملكية خاصة نملك صكها وحدنا، فالحب لا يتجزأ ولا توزع الحلوى في كيسه على الجميع
الصداقة تمشي في طرقاتنا وتبحر في زوارقنا، بينما يأبى الحب إلا التحليق عاليا في سمائنا ليغمرنا مطرا وشموسا وأقمارا
وأحيانا يولد الحب من رحم الصداقة، ولكن الحب لا يولد من براعمه إلا الحب، فليس للبركان الذي في داخلنا أن يخمد ليبنى من ركامه صداقة على سفحه، فمحال أن يصبح الحبيب صديقا
بالصداقة تزهر حياتنا ويسعد يومنا، ولكن بالحب نزرع بستانا في قلوبنا، وتخلق السعادة ملامحها من تفاصيل يومنا
الصداقة كحصاد الحقول تتنوع في أشكالها وقد يقل مقدارها أو يزيد، ولكن الحب ليس له إلا شكلا واحدا لا يقبل أنصاف
الحلول، إما أن يكون قويا أو ينتهي إلى الأبد