قرّب رئيس الوزراء المكلّف, الدكتور عون الخصاونة من قوى تقليدية في الشارع الأردني لن يشفع لحكومته, ولا يعني انه سينجح في تخفيف احتقان الشارع, من دون ان يعني ذلك أن سعيه لتأسيس حوار ينظم العلاقة بين الحكومة والمعارضة, قد يؤتي بنتائج مثمرة .. هذا ما قد تسمعه من حديث في صالونات الحراك الشبابي وتحديدا في الأطراف.
الحراك الذي أطاح بحكومتين سبقتا تكليف الخصاونة, ما زال يلّوح بالورقة الأقوى, وهي النزول إلى الشارع في حال لم تستجب الحكومة لمطالبه بتحقيق الإصلاح المنشود.
كل ذلك يتحدث به النشطاء, ويتحدثون ايضا ان هناك فروقات شاسعة بين حكومتين ووجهتا بمعارضة شرسة منذ الدقيقة الاولى لتكليف رئيسهما “سمير الرفاعي, ومعروف البخيت”, فيما استقبل خبر تكليف الخصاونة بترحيب.،
الرصيد الذي في وعاء الخصاونة من الترحيب سينفد سريعا ما لم يثبت بانه جدير بهذا الترحيب. في البدء سيظهر الخصاونة في اول اختبار له وهو “تشكيل فريقه الوزاري”. رئيس الوزراء المكلف وعد بالكثير. يقول ناشطو صالونات الحراك.
وينتظر ناشطون الوعود التي سمعوها من تصريحات القانوني الخصاونة. وينتظرون اكثر ان تبدي الحكومة المقبلة قدرة جادة وليس استعراضية في محاربة الفاسدين والتعامل بجدية مع ملفات الفساد.
بعد التشكيل, وعلى فرض جاء متساوقا مع ما يريده الشارع وحراكه ستطل قضية جزئية برأسها على مكتب القانوني والسياسي الخصاونة, ولكنها ذات معنى كبير هي: “قضية نشطاء الطفيلة الأربعة”.
اليوم, الشارع يحمل نجاحين من الاجدر للخصاونة الانتباه جيدا لهما. الاول اسقاطه للرفاعي والثاني اظهار ارادة غير متناهية للسعي من اجل اسقاط البخيت. وفي الاثنين كان للشارع ما أراد.
المهندس القانوني لاتفاقية وادي عربة هل ينجح في تهدئة الشارع.
محمود الحياري, منسق الحراك الشعبي في السلط والبلقاء, لا يبدو متفائلاً بقدرة الحكومة على تخطي الأزمة المحلية, خاصة أن برنامج الحكومة لم يتضح بعد , يقول :”ينظر للرئيس المكلف باعتباره المهندس القانوني لاتفاقية وادي عربة”.،
وبين أنه لا بد من ضمانات حقيقية لتهدئة الشارع, فالجو العام يحتاج إلى قدرات عالية وإمكانيات حقيقية يوظفها الرئيس; ليتجاوز الألغام والحرائق التي أشعلتها حكومات سابقة.
الحياري يربط بين استعادة الرئيس المكلف الولاية العامة ونوعية التشكيلة الحكومية المرتقبة ومدى نزاهتها وقربها من الشارع, وبين تهدئة الشارع.
المطلوب من الرئيس, بحسب الحياري, البدء فوراً بنزع فتيل الأزمة مع الحراك الشعبي وفتح حوار حقيقي معه ووقف مهزلة البلديات, وطي ملف الاتهام الموجه لنشطاء الطفيلة, وعليه أن يسعى للإفراج عن الجندي أحمد الدقامسة, وفتح ملفات الفساد الكبرى بشكل حقيقي وجاد, واستعادة المال العام, وتحقيق العدالة الاجتماعية, إضافة إلى إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية, والعمل بأعلى درجات الجدية في استعادة دور مجلس الوزراء باعتباره صاحب الولاية العامة, اعتماداً على مطالب الشعب الأردني وصولاً إلى حياة كريمة للمواطنين.
هل يعلّقون نشاطهم?
المناخات الايجابية اليوم وصلت حدا بدأ فيه النشطاء يناقشون مسألة تعليق ام مواصلة الحراك. هو سؤال يجيب عليه الحياري بطريقة اخرى يقول: “حتى وإن اجيب عليه بالمواصلة فانه يعني الكثير لصالح التهدئة. مع الاشارة الى ان من يسأل هذا السؤال يعلم مسبقا أن استمرار الحراك الضمانة الحقيقية الوحيدة لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة”.،
ويحذر الحياري في الوقت نفسه من مواصلة تغوّل جهات رسمية على السلطة التنفيذية, مبيناً أن غياب العمل المؤسسي ينذر بفقدان هيبة الدولة وتلاشي ثقة المواطنين بمؤسساتهم الوطنية, ويبقي مؤسسة القصر المؤسسة الوحيدة القادرة على تهدئة الشارع.،
ما انتهى إليه الحياري, يتفق عليه العديد من الناشطين الذين أبدوا تمسكهم بحراكهم الشعبي السلمي, فالناطق الإعلامي للحراك الشبابي والشعبي في الكرك, معاذ البطوش, وفي سياق تعليقه على إعادة الثقة بين الشعب والحكومة, يقول: “نرتاح للغة الحالية ولكنا لن نطمئن الا للغة الإنجازات فهي الفيصل في إعادة الثقة”, مؤكداً أهمية الحوار مع ممثلي الناشطين في المحافظات والعاصمة; للوصول إلى حلول توافقية من شأنها تهدئة الشارع ومد جسور من الثقة جديدة مع المواطنين.
البطوش, لا يرى في تغيير شخص رئيس الوزراء أي غنيمة شعبية, فالحراك ومنذ انطلاقه أوائل كانون الثاني الفائت; يهدف إلى إجراء تغيير في انتهاج السياسات المتبعة من قبل الحكومات, ويقول: “سنبقى في الشارع حتى تحقيق الإصلاح المنشود”.
من الواضح أن فتح ملفات الفساد وتخفيف القبضة الأمنية باتا مطلباً شعبياً, اذا ما لمس المواطنون جدية حكومية في تعاطيها مع هذين الملفين, سيكونون الضمانة الحقيقية لاستعادة رئيس الوزراء حقه في الولاية الكاملة.
يرى البطوش أن كتب التكليف السامية السابقة كانت تحمل من القيم والمعاني الكثير, إلا أن المواطن لم يلمس تحسناً يذكر, بل ازدادت المديونية وأصبح المواطن يدفع ثمن تخبط الحكومة.
وبحسب البطوش, فإن مشاركة المعارضة في الحكومة المقبلة ليس المعيار الأهم, بناءً على ما لمسه الأردنيون من تجارب سابقة لمن دخل الحكومة من خلفية معارضة.
هل يلتقط الفرصة?
الكاتب والناشط أدهم الغرايبة, يرهن استثمار فرصة رئيس الحكومة بقدرته على التقاط اللحظة التاريخية التي يأتي بها للدوار الرابع, وان الخطوة الأهم إصرار على التمسك بحقه بالولاية العامة, وإلا سيصبح مجرد كبير موظفي الدولة.
يقول الغرايبة: امتلاك الخصاونة مؤهلات “فنياً”, بدليل توليه منصباً رفيعاً على المستوى الدولي, لا تلغي مشاركته في مفاوضات وادي عربة من ذاكرة الأردنيين, التي لم تحصن الدولة من خطر مشروع الوطن البديل”.،
وشدد على أهمية أن يدرك حقيقة الرغبة الشعبية العارمة في إصلاح الدولة واستعادة أبويتها, ليتمكن من فرض سياسته وتحييد الحكومات غير المعلنة.
الغرايبة يستدرك قائلاً: “التحام سياسات الحكومة الجديدة بتطلعات الأردنيين وأمانيهم في بناء دولة ديمقراطية حديثة تصون الهوية الوطنية وتحاسب الفاسدين والنهوض بالقطاع العام وتطويره وفتح أفاق الاقتصاد الوطني هو ما سيحكم على سياسة الرئيس وحكومته”.،
وينصح الغرايبة, رئيس الوزراء بالتخلي عن العقلية التقليدية في التفكير, مشيراً في الوقت نفسه إلى إمكانية إستفادة الرئيس من الحراك الشعبي, الذي سيشكل دعامة حقيقية في سبيل استعادة حقه الدستوري, بأن يكون صاحب الولاية من دون تدخل أطراف غير دستورية.
وعن كيفية استعادة الثقة بين الحكومة والشارع, يجيب الغرايبة: “الخلفية القانونية التي يمتلكها الرئيس تؤهله للإسراع في تقديم عشرات الأسماء المعروفة بفسادها لمحاكمات عادلة, إضافة إلى إعادة الروح للقطاع العام في الدولة خاصة في الجوانب الصحية والتعليمية والبلدية, بعد أن عانينا من تفكك واهتراء تلك الخدمات; جراء عمليات الخصخصة, لا سيما أن القطاع العام هو روح الهوية الوطنية”.
الغرايبة, لا يرى المشكلة الحقيقية مع الحكومات, بل يراها مع أسلوب إدارة الدولة, وضرورة مراجعة العقد الاجتماعي, لا سيما أننا في الحراك ننادي بإصلاح النظام وليس إسقاطه.
ثنائية الشارع والإصلاح
الناطق الإعلامي باسم لجنة أحرار الطفيلة, سائد العوران, يرى أن الحراك أصبح مترامي الأطراف; الأمر الذي يصعّب السيطرة عليه, إلا أنه لا يرى ما يعيق الحكومة عن التعامل والحوار معه, من خلال جدول أعمال يضع المواطن في صورة ما تنوي الحكومة فعله.
العوران قدم تصورا للإصلاح المنشود, في إطار حديثه عن تهدئة الشارع الغاضب, يقول فيه: “تتجدّد الثقة بالحكومة من خلال مراحل إصلاحية ثلاث, أولها: تحقيق إصلاح اقتصادي, وهو ما يتطلب السعي الجاد لاستعادة أموال الشعب ومحاسبة من أساء التصرف بها. وثانيها: إجراء تعديلات دستورية تنسجم ورغبة الشعب, وإعطاء ضمانات حقيقية تكفل انخراط الفئة الشبابية في الأحزاب, وثالثها: تحديد الأولويات ببرنامج زمني.
مطبات “شتوية” صعبة
يخشى العوران من التوتر بين الحكومة والشارع خاصة مع بداية فصل الشتاء, في حال قررت الحكومة رفع اسعار المشتقات النفطية. ويقول: لا بد من وجود بدائل لتحقيق الأمن الاقتصادي.
،العوران أيضا يتمنى على رئيس الحكومة المضي قدما في موضوع الإصلاح, وعدم ترحيل الأزمات إلى حكومات لاحقة وتقبل الرأي الآخر.
على الخصاونة ان يدرك ان الفرصة المواتية له لانقاذ البلد لم يمتلكها اردني قبله .. وعليه اكثر ان يعلم ان الخطورة الكامنة في اخفاقه هي في إعادة صياغة أزمة جديدة في الشارع وبطريقة أشد عنفا.. هنا مكمن الخطر.