التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء المكلّف عون الخصاونة، كانت بمثابة “مفاجأة سارة” للقوى السياسية في الشارع. وهنالك في الأوساط الدبلوماسية والسياسية عموماً ارتياح لاختيار الخصاونة، وأمل في أن يعيد “قطار الإصلاح” إلى السكة الصحيحة.
والمتمعن في تصريحات الرجل، منذ اللحظات الأولى لتكليفه، يلمس بوضوح أنّه محكوم بنزعته القانونية والحقوقية، وما يحمله حتى من ثقافة أدبية هي بمثابة مداميك أخرى لهذه الوظيفة المقدّسة، التي تعظّم من قيمة العدل ومن وخامة الظلم. فثالوث “العدل والنزاهة والإنصاف”، “متلازمة” على لسان القانوني العريق عند حديثه عن الحلول المطلوبة للأزمة السياسية، ولطبيعة تعامله مع التحديات القابعة بانتظاره.
لو بدأنا من مفهوم الإصلاح، فهو وفقاً للخصاونة، ليس فقط بسبب الربيع العربي، بل “لأنّه ما يجب أن تكون عليه الدول، أي مبنية على العدل والنزاهة والإنصاف”.
وحول فريقه الوزاري، يرى الخصاونة أنّ المعيار هو “النزاهة”، وهو مصطلح مناقض تماماً للفساد، الذي تلبّس شريحةً كبيرة من المسؤولين السابقين، ممن أوغلوا فيه أو قبلوا بالسكوت عليه.
إلى الآن، مصطلحات وجمل القاضي الخصاونة منبثقة من معين ثقافته القانونية، وأولوياته من صميم مهنته بوضع العدل ورفع الظلم، وإنصاف الناس، والنزاهة في الحكم.
ذلك باختصار ما يريده الشعب فعلاً. فهل يستطيع الرجل تحقيق ذلك، ومواجهة الحيتان والقوى القائمة على منطق الظلم والتعدّي والاختلال في الموازين؟! التحدي ليس سهلاً، لكن كما يقول هو المهمة أولاً هي النوايا الصادقة!
بيد أنّ مهمّة القاضي الخصاونة، اليوم، تنتقل من القضايا الفردية أو القضايا الدولية بين الدول إلى العلاقة بين الدولة والمجتمع والأفراد، وهنا تحديداً لا بد من إعادة تعريف مفهوم الظلم والعدل على السواء.
وربما لو قُدّر للرجل أن يستنطق “هواجس الأغلبية الطاغية من المواطنين”، لوجدها تخاطبه بالقول: “أيها القاضي؛ هنالك مظلوميات وظلمات عمّت وطمّت، ووحوش نهشت في خيرات البلاد، ولا نبالغ إن قلنا لك أنّ ما حرّك -ويحرّك- الشارع هو الظلم بأنواعه المختلفة وألوانه المتعددة، فمذاق الفقر مقدور عليه بين الناس، وربما يحتملونه، لكن ما لا يطيقونه هو الظلم والفساد، فهو أساس البلاء”.
“الفساد ظلم شديد يجب أن يرفع وأن يعاقب الفاسد، لأنّه يأكل من طعام الأطفال الفقراء في البوادي أو القرى. وتعيين الأشخاص غير المؤهلين بمواقع المسؤولية ظلم، لأنه اعتداء على حقوق الغير. وتزوير الانتخابات أو التلاعب بها ظلم شديد للأفراد والمجتمع والدولة. وعدم تكافؤ الفرص ظلم أيضاً. وتغول الجانب الأمني على السياسي ظلم لأناس كثيرين يعاقبون بسبب آرائهم ومواقفهم، وهو تنفيع ونفخ في أشخاص لا يستحقون ذلك، فيتولون الأمانة، وهم ليسوا أهلاً لها، ويضرون بمصالح الناس ويقتاتون على حقوقهم.. إلخ”.
“أمّا العدل، فجوهره إقامة دولة القانون والمؤسسات والمواطنة. “الدولة” هي وحدها التي تكفل المساواة بين الناس، والتكافؤ في الفرص، وتوسيد الأمر لأهله، قدر المستطاع، وهي صمّام الأمان للجميع”.
“الاحتقان، الذي تتحدث عنه أيها القاضي، منشؤه الظلم وغياب العدل، واهتزاز ثقة الناس بالدولة، ورفع ذلك البلاء يكون بـ”الانقلاب” على هذا النهج الذي هيمن على البلاد والعباد ردحاً طويلاً من الزمن”.
“العبرة –كما تقول أنت- ليست في “النصوص”، بل في التنفيذ، وهو ما يدفعنا إلى “تقنين” تفاؤلنا، وانتظار قدرتك على ترجمة “قناعاتك” على أرض الواقع، فمهمتك تبدأ بأن تعاهد الله والمواطنين على الوفاء لشرف مهنتك وقدسيتها، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً”!
الغد