تداخلت الملفات لتجعل الموقف شائكا حقا؛ فهناك مذكرة نيابية تطلب رحيل الحكومة الملتزمة بجدول زمني قصير وضاغط لإجراء الانتخابات البلدية، فيما الدورة العادية لمجلس النواب على الأبواب وهي مكتظة بجداول ملزمة دستوريا، إذ يجب إنجاز قانون الهيئة العليا للانتخابات للتمكن من إجراء انتخابات فرعية لملء الشواغر للمجلس الذي يُلزم الدستور رئيسه بالإبلاغ عنها خلال شهر لتقوم الحكومة بإجراء الانتخابات خلال شهرين، ويتوجب ابتداء انتخاب رئيس للمجلس ليقوم بهذه المهمة. ويتوجب أن تكون هنالك حكومة جديدة تقدم مشروع القانون، ثم تقوم بإنشاء الهيئة التي ستشرف على الانتخابات. وبذا يدخل على البعد السياسي للأحداث الاشتراطات الدستورية، والجدول الزمني الملزم بصورة تقيد موقف جميع جهات القرار.
أي قرار بترحيل الحكومة الآن سيترتب عليه (على الأرجح) تأجيل الانتخابات البلدية، فهل هذا وارد في برنامج الدولة وصاحب القرار؟! إنه وضع غير مسبوق بالقفز من مسار انتخابي في منتصفه، فنحن في منتصف مرحلة تسجيل الناخبين لهيئات عامّة جديدة في ضوء قرارات الفصل ونشوء أكثر من مائة وثلاثين بلدية جديدة، وكل البلديات الآن جديدة في ضوء تقسيمها الجديد، وتديرها لجان مؤقتة بتفويض محدود حتى السابع والعشرين من الشهر القادم.
لا يعرف حتّى من يطلب تأجيل الانتخابات ما العمل تحديدا بشأن فصل البلديات، وما هو الشيء المختلف الذي ينبغي عمله، وما جدوى التأجيل إذا لم يكن يتضمن إنشاء قانون جديد كليا وبأفكار جديدة لهيكل البلديات. ففي هذا الشأن لا يقترح المطالبون بالتأجيل شيئا محددا، ولعلهم لا يملكون تصورا متفقا عليه أصلا بهذا الشأن.
بناء على ما سبق، يبدو مطلب رحيل الحكومة منفصلا عن أي تصور بديل، وهو تصور في هذه المرحلة تحديدا لا يتصل بالبرنامج فقط بل بجدول الأعمال الفعلي على الأرض نظرا للروزنامة الممتلئة باستحقاقات دستورية تجب جدولتها بصورة محددة.
وأطراف الحراك السياسي ترفع شعار رحيل الحكومة ومجلس النواب في كل الأوقات، وهو شعار سياسي لا يلزم من يرفعه بمراعاة الاستحقاقات القريبة القادمة بالاعتبار. لكن عندما يتقدم 69 نائبا بمذكرة تطلب رحيل الحكومة فالأمر يختلف. وفي سوابق كان صاحب القرار يلجأ سلفا إلى تغيير الحكومة، لكن الأمر يختلف في إطار الوضع الشائك القائم اليوم، إذ يجب تقييم المسار القانوني والدستوري لرزمة من الاستحقاقات القريبة القادمة. وقد يكون الأفضل هذه المرّة ترك الأمر لمساره الدستوري السليم، أي أن يتقدم النواب المعنيون بطلب حجب ثقة تعقد من أجلها جلسة في الدورة القادمة بعد استكمال الإجراءات الدستورية بانتخاب رئاسة وهيئات مجلس النواب.
لو عرضت المذكرة عليّ كنت سأطلب مناقشة كل ما سبق، وفوق ذلك كله سوف أسأل عن البديل المقترح، فهل هناك مطلب أو تصور للبديل المنشود؟ إذ إنه وضمن الآلية التقليدية لتشكيل الحكومات، ليس لنا أن نتوقع جديدا ولا دلالة للتغيير سوى تدوير الكراسي على الطامحين بالمناصب، ولن يكون هناك فرق إلا إذا ارتبط مطلب رحيل الحكومة بمطلب آلية جديدة لتشكيل الحكومات، والمقصود بالطبع شراكة مجلس النواب في تحديد الحكومة القادمة تشكيلا وبرنامجا، أي الاقتراب بضع خطوات من مفهوم الحكومات البرلمانية.
الغد