يعيش السوريون في مدينة حماة هذه الأيام شيئا مما سمعوه من قبل عن قصة ماوكلي، فتى الأدغال، فهم يتناقلون حكاية طفلة في الحادية عشرة من عمرها عاجزة عن الكلام وتقلد أصوات الحيوانات.
منال طفلة مصابة بشلل دماغي منذ ولادتها، وطلق أبوها أمها وتزوج امرأة أخرى، ولم تقف معاناتها عند هذا الحد بل سجنها والدها وعزلها عن العالم خمس سنوات في غرفة مساحتها أربعة أمتار.
وطيلة مدة سجنها لم تنل منال من عطف أبيها غير قوت يبقيها على قيد الحياة، وحتى حنان أمها حرمت منها لأنه منعها من رؤيتها منذ طلاقهما حسب ما صرحت به الأم للجزيرة نت.
كلب حراسة
زرنا منال في مركز الأسد الطبي حيث تتنسم أولى نسمات حريتها بعد خمس سنوات عاشتها في الظلام ولم تكن تسمع غير كلب حراسة وضعه الأب قرب سجنها كي لا يقترب منه أحد.
بدت متعبة من رحلة طويلة مع الحرمان، وهي مستلقية على سرير تفصله ستائر عن أسرة بقية المرضى، وظلت تحدق بحذر إلى آلة التصوير المصوبة نحو وجهها الشاحب.
ملفها الطبي يقول إنها دخلت المركز في السابع من الشهر الحالي, بعدما أحيلت إليه من قسم الشرطة، وقد وصلت على كرسي متحرك, متسخة وبأظافر طويلة وشعر أشعث وطفح جلدي.
وتخبر التقارير الطبية عنها أيضا بأنها تعاني من تأخر في التطور الروحي والحركي، إضافة إلى التهابات جلدية نتيجة الأوساخ وأمراض في العينين سببتها ظلمة السنين الخمس التي قضتها بعيدا عن ضوء الشمس.
منال ولدت ولادة جديدة وتنتظر أن تخضع لعلاج يعيد تأهيلها ويطوّر مؤثراتها الحسية لتتعرف على محيطها الجديد وقد تصل فرص شفائها 70%، حسب ما قال للجزيرة نت رئيس قسم الإرشاد النفسي في جامعة تشرين الدكتور محمد صهيب
عقوبة السجان
وعن العقوبة التي يواجهها الأب جراء فعله قال المحامي شادي عليا إن مثل هذه الأفعال يعاقب عليها القانون السوري بالأشغال الشاقة المؤقتة من ثلاث إلى عشر سنوات.
وأضاف أن ما تعرضت له الطفلة منال يندرج في جرم "حجز حرية" و"جرم الإيذاء المفضي إلى عاهة دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة أو تشويه جسدي"، مؤكدا أن حكم المحكمة قد يسقط عن الأب الولاية والوصاية, ويحرمه من كل حقوقه على ابنته وأملاكها.
كل الذين سمعوا عن قصة منال جمعت بينهم الصدمة والاستغراب من أن يقع مثل هذا الحدث في بلد وفي مدينة "تولي الفتاة عناية أكبر من الصبي"، وفي "مجتمع محافظ ترفض تقاليده ودينه ما حصل" كما يقول عمر الطباع، أحد الذين تحدثت إليهم الجزيرة نت في الموضوع.
ومن أغرب ما يتداوله الناس في قصة منال، أنها حرمت حنان الوالدين ودفء الأسرة وضوء الشمس وفسحة الطفولة، غير أنها طيلة مدة سجنها ظلت تردد كلمة "بابا" رغم أنه "السجّان".