كانت قرية منسية في جنوب الأردن، هجرها أهلها بحثا عن الحياة المستقرة في المدن والبلدات القريبة، ولكن " ضانا" كانت مكانا استثنائيا حيث تقع فوق ربوة جبلية تشرف على واحدة من أجمل المناطق الطبيعية في الأردن. لقد كانت ضانا في العام 1991 كنزا خفيا بحاجة إلى من يكتشفه.
والقول بأن النساء هن الأكثر التصاقا بالطبيعة ليس مجرد نظرية أو شعار، بل ظهر في حقيقة الأمر من خلال إنشاء لجنة أصدقاء ضانا النسائية برعاية الجمعية الملكية لحماية الطبيعة لتأخذ على عاتقها جهد إعادة إحياء هذه القرية الفريدة. وما بدأ كجهد يرمي إلى الحفاظ على الموروث الثقافي والطبيعي تحول في نهاية الأمر إلى واحدا من أنجح مشاريع التنمية المستدامة، لا في الأردن والعالم العربي فحسب بل في العالم أجمع بشهادة العديد من مدراء المنظمات والمشاريع البيئية الدولية كما كان هذا المشروع بمثابة شهادة الميلاد الثانية للجمعية الملكية لحماية الطبيعة بعد إنشائها الفعلي في العام 1966 كأول منظمة عربية غير حكومية معنية بحماية الطبيعة والحياة البرية.
بدأ مشروع تنمية القرية بشكل بسيط ولكن فعال في أوائل التسعينات عن طريق ترميم بعض البيوت القديمة وإقناع السكان بالعودة إليها عن طريق توفير مصادر دخل معتمدة على المهارات والحرف التقليدية، ولكن النقلة النوعية الحقيقية كانت في العام 1994 عندما وقعت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة ومرفق البيئة العالمي اتفاقية مشروع تطوير محمية ضانا والذي كان العلامة الفارقة في عمل الجمعية ومثل النموذج الأكثر وضوحا للتطبيق المتكامل لمفهوم التنمية المستدامة المنبثق عن قمة الأرض في ريو دي جانيرو 1992.
تضمن المشروع عدة محاور رئيسية تطبق للمرة الأولى في الأردن. أحد أهم هذه المحاور كانت الدراسات البيئية الميدانية للخصائص والمزايا الطبيعية للمحمية والتي تضمنت 16 دراسة شاملة لكل المكونات الحيوية والبيئية للمحميةشارك فيها عشرات الباحثين الأردنيين الشباب والذين تدرجوا في السلم الهيكلي الإداري للجمعية منذ ذلك الحين وأصبحوا العصب الحيوي لعملها. وقد شملت الدراسات مسوحات للحيوانات والنباتات والتربة والمياه وكذلك الخصائص الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين.
وقدمت هذه الدراسات المعلومات الوافية التي ساعدت في إعداد الخطة الإدارية الحديثة للمحمية والتي كانت الأولى من نوعها في شموليتها وتفاصيلها الدقيقة، وباتت نموذجا لكل الخطط الإدارية للمحميات في الأردن.
لكن التحدي الرئيسي كان تأمين الاستدامة للمشروع، خاصة مع توسع النشاطات المرافقة له، وبالتالي ركزت الجمعية على تأهيل السكان المحليين وايجاد مصادر دخل تساهم في رفع سوية الحياة في القرية وتشجيع سكانها على العودة إليها. وتم ذلك بطريقتين أساسيتين. أولهما عن طريق السياحة البيئية، وكانت أول تجربة لهذا النوع من السياحة في العالم العربي حيث تم بناء مرافق سياحية مستندة إلى التراث ومتوافقة مع بيئة المنطقة كما تم تدريب العديد من الشباب والرجال من سكان المنطقة على العمل كأدلاء سياحيين أو في المواقع الإدارية للمحمية. وبالفعل نجحت التجربة واجتذبت المحمية عشرات الآلاف من الزوار سنويا وفي العام 1997 كان دخل السياحة البيئية كافيا لتأمين نفقات استدامة العمل في المحمية.
الطريقة الثانية كانت استثمار مهارات السكان المحليين وخاصة النساء في صنع المنتجات التقليدية من حرف يدوية والحلي المصنوعة من الفضة بالإضافة إلى الزراعة العضوية بدون استخدام المبيدات وإنتاج العسل والمربيات من هذه المحاصيل العضوية.
وفي العام 1998 وبعد التنفيذ الناجح للمشروع تم خلق 55 عمل أنتجت مجموع مبيعات يعادل 700 ألف دينار وغطى احتياجات 800 شخص من سكان المنطقة كما ساهم العائد في تغطية كافة النفقات الجارية في المحمية. وقد ساعد ذلك على حدوث هجرة عكسية إلى القرية حيث إزدهرت من جديد وباتت فرص العمل والنشاط الاقتصادي متوافرة.
أما بالنسبة إلى الخصائص البيئية والطبيعية، تعتبر محمية ضانا عبارة عن نظام من الجبال والوديان المترابطة والمتشابكة، والتي تمتد ما بين القمة لوادي الأردن إلى الأراضي الصحراوية المنخفضة في وادي عربة بانخفاض في الارتفاع يعادل 1600 متر. وتتكون المحمية من نظامين جغرافيين حيويين رئيسيين وأربعة مناطق نباتية متمايزة. وهذا التنوع الداخلي الكثيف من أشكال التضاريس والموائل بالإضافة إلى التغير الكبير في الارتفاع ينتج عنه تنوع حيوي كبير. ويصل عدد أنواع النباتات المسجلة في ضانا إلى حوالي 700 تنوعا منها 3 جديدة على العلم وكذلك حوالي 450 نوعا حيوانيا منها ما هو نادر جدا ومهدد بالانقراض مثل القط البري والذئب السوري والسحلية شوكية الذيل، وبوجود حوالي 25 نوعا مهددا في المحمية فإن المنطقة تعتبر ذات أهمية عالمية.
وبالإضافة إلى الحياة البرية، فإن المحمية غنية أيضا بالآثار والثقافة، فهناك حوالي 100 موقع أثري تم الكشف عنها منها مناجم النحاس القديمة في وادي فينانوهي المجموعة الآثارية الأكثر أهمية في جنوب الأردن بعد البتراء.
وخلال السنوات الماضية حاز مشروع ضانا على الكثير من التقدير والاهتمام العالمي لعل أشدها أهمية الحصول على جائزة دولية من معرض هانوفر في العام 1998 ووصف المشروع من قبل جيمس وولفنسون رئيس البنك الدولي بأنه " من أنجح المشاريع التي ساهم البنك في تمويلها فيما يتعلق بالتنمية المستدامة".
لقد كانت تجربة ضانا استثنائية لكل العاملين فيها، سواء من الجمعية الملكية لحماية الطبيعة أو السكان المحليين حيث تعلم الجميع مع هذه التجربة أن حماية الطبيعة والتنمية الاقتصادية-الاجتماعية يمكن أن ينجحا معا إذا ما توفرت الإرادة والقناعة والفكر الخلاق والانتماء للأرض والطبيعة، ويمكن القول بأن الجمعية الملكية لحماية الطبيعة فخورة جدا بهذا المشروع وما حققه على أرض الواقع وأنه بات نموذجا يحتذى في تنفيذ كافة مشاريع الجمعية في المحميات الطبيعية السبع التي تديرها في الأردن.
قد خلقتُ لأكونَ الطـّآغية ..
خلقتُ لأكونَ الجلاّدة و القآضية .. فصدقـآ أقل لكَ ..
آرحــل من هنــآ ..
إنمآ الحب لا ينبضُ بينَ ضلوعي ..
و العشقُ و الهوى لا يضخآن في عروقٍ فؤآدي ..
عذراً
إن حطّمتُكَ ..
لكن لا بــــُدّ أن أعترفَ لك و لغيركَ ..