ضيف «حديث الذكريات» ونظرة لعدسة «الراي» (تصوير طارق عز الدين) أحمد عبدالكريم خلف: تخرجت في ثانوية الشويخ سنة 1970 والتحقت بأول دورة للإسعافات الأولية
| إعداد :سعود الديحاني |
الحياة محطات وكل واحدة منها لها طعم خاص ولون مغاير.
اليوم حديثنا مع من قضى طفولته وشبابه وعمره في الجهراء قدم اليها مع والده الذي كان ثاني ممرض في مستوصف الجهراء القديم فمرت عليه اجيال وعقود من السنين عرف خلالها اكثر اهل الجهراء فهم كانوا يترددون على ذلك المستوصف وهم اطفال ثم شباب ثم رجال وامامهم الممرض الذي عرف بكنيته (ابومعروف) فرسخ اسمه في مخيلتهم نستعرض قصة ذلك الممرض متى جاء ومتى عمل مع ابنه الذي كان شاهد عيان لحياة والده فيذكر لنا الجهراء اول ما وقعت عليه عيناه والمحطات التي مرت عليه وهو يعيش فيها فلنترك له الحديث:
نحن كنا في فلسطين الارض المباركة، ارض زراعية من قضاء رام الله في قرية يقال لها رانتيس وهي من المناطق التابعة للقدس وارضها غنية خصبة بالزروع اذا شق نور الشمس رأيت الندى على هذه التربة لذلك لما كنا نزرع الزيتون والحنطة والتين والخضراوات بأنواعها والتفاح والعنب والبطاط وبعض المزروعات المتوافرة في ذلك الوقت لم نكن نحتاج لسقي تلك المزروعات لان التربة غنية بالماء، اما ما كنا نحتاجه من ماء للشرب وغيره فعندنا ابار نأخذ منها ما نحتاجه ووالدي بدأ حياته فلاحا وهي مهنة والده قبله وقد اخذ حظه من التعليم فأتم المرحلة الابتدائية ثم التحق بالقوة الامنية التي نطلق عليها البوليس وهو قبل التحاقه بالبوليس اخذ دورة في الاسعافات الاولية وتعلم اصول التمريض في منطقة رام الله عند احد الاطباء.
وفي عام 1956م شد الوالد رحالة إلى الكويت بعدما سمع عنها وعن سمعتها الطيبة، وطيبة اهلها وقد سبقه افراد من جماعتنا مثل الدكتور سميح وكامل عامر فهما جاءا سنة 1952م والطريق الذي سلكه والدي بعد استخراج جوازه من الاردن فهو (بغداد إلى البصرة ثم الكويت).
الصحة
كانت وجهة والدي إلى وزارة الصحة حيث قدم اوراقه واجريت له مقابلة شخصية ثم قبل وعمل في المستشفى الاميري ممرضا لمدة شهرين صرف له راتب مقداره (300 روبية) وكان هناك قانون ينص على ان من عمل بالمناطق النائية يعطى زيادة مقدارها (100 روبية) كمنطقتي الفحيحيل والجهراء، لذلك اختار والدي منطقة الجهراء لانه حينما جاء إلى الكويت مر عليها فرآها قرية وافرة الظلال واشعة الشمس تسطع من وراء رؤوس نخلها وبما انه من قرية من قرى فلسطين فقد قرن قريته بالجهراء فمعروف ترابط اهل القرية وكثرة المكارم بها وفعلا هذا ما وجده.
الجهراء
كان والدي ثاني ممرض يلتحق في مستوصف الجهراء القديم وقد سبقه ممرض سوري هو (حمد الفريحي) سوري من اهل الجبل.
لكن والدي جاء بعده وسكن في المستوصف وكان يعمل ساعات في النهار او المساء وكان معه الدكتور عبدالله صلاح من اهل نابلس بفلسطين اما الذي يعمل على الاسعاف فكان (حمد الخلف، وعثمان الأمير).
ثم زاد العمل بساعات النهار ووالدي لا يغادر المستوصف فمن اراد ضمادا او اراد اخذ حقنه جاء إلى الوالد في مكانه والجهراء بطبيعتها قرية اهلها معروفون ونمت علاقته بهم على طوال السنين التي قضاها والدي معهم.
فلا تجد احدا منهم الا وقد مر على والدي او رأى والدي فالناس قليلون والمستوصف الطبي كان لخدمتهم ووالدي كان مقيماً بهذا المستوصف اربع سنوات قضاها والدي متواصلة ثم سافر سنة (1961م) واستقدم اسرته واخذ سكنا عند (بيت العيار القديم) حيث كان زوج بنت عمتي مقيماً فيه ثم انتقلنا إلى بيت (الهده) بالقرب من مسجد الامراء وكان ايجاره (20 دينارا) وقبله بيت السويلم وسنة 1968م سكنا في بيت عثمان الأمير وظللت به حتى عام 1994م.
الأمير
جارنا عثمان الأمير (ابوفهد) نعم الجار صاحب الاخلاق الحسنة والمروءة العربية وحبه للخير كنا معه نعم الجيران وكنا معه اهلا لا تسأل عن طيبتهم وحسن جوارهم حتى ان اهلي عندما ذهبوا عام 1991 سكنت وحدي في البيت فلم يأخذوا مني ايجارا.
العمل
كانت علاقة والدي مع اهل الجهراء متميزة فالكل يعرفه بكنية (ابومعروف) وبعد اربعين عاما قضاها في مستوصف الجهراء انتقل إلى مستوصف شرق الجهراء ثلاث سنوات ثم استقر في مستوصف العبدلي بالقرب من مزارع وكان اهل الجهراء لهم مزارع هناك ويلتقي معهم.
الدراسة
بدأت دراستي في قرية رنتيس في رام الله في احدى المدارس الحكومية (ستة اعوام) متواصلة، وحين جئنا للكويت درست في متوسطة الجهراء وكان معي من ابناء الجهراء الشيخ حمد الامير، وحمد العيار، وحمد الشواجي، وابناء عبدالله الخلف، وخالد الدخيل، ومحمد سليمان نعمة، وبما ان الجهراء ليس بها ثانوية انتقلنا إلى ثانوية الشويخ سنة 1970، ومن زملائي بها (حمد السميط، حمد العجيان) وعندما اتممت الدراسة ذهبت إلى المانيا حيث لنا قريب يدرس هناك يدعى سميح درس الطب فدرست الطب ثم لم استمر فتوجهت إلى العمل وعملت في المانيا ثم ألح عليّ والدي بالعودة فأنا تحت رهن امره فجئت وعملت بالتجارة سنة 1975م مع (عمي مصطفى ابو نزار) وبعد سنتين من التجارة والبيع والشراء تهيأت لي دورة تتبع وزارة الصحة وهي الاسعافات الاولية وهي اول دورة تقام في الكويت وكانت مدتها عاما كاملا وقد انعقدت في مستشفى الصباح وهي تتناول الاسعافات ومعالجة الجراح والكسور والباطنية وطوارئ الولادة وكذلك قيادة الاسعاف قيادة صحية تحافظ على المريض ونقله إلى اقرب مستشفى حيث اذا كانت به كسور يتم اخذه إلى الرازي واذا كان غير ذلك اخذ إلى اقرب مستشفى.
العدد
كان عددنا نحن الذين التحقنا في تلك الدورة الصحية للاسعافات الاولية (50 متدربا)، بعد ذلك تخرجنا وصرف لنا راتب قدره (150 دينارا) وتم توزيعي في مستوصف الجهراء وعملي كان في نظام الورديات يومان في الصبح ويومان في العصر ويومان ليلا.
نتلقى النداءات للاسعاف وهي غالبا تتعلق بحوادث الطرق.
الجيش
سنة 1986م التحقت بالجيش الكويتي مسعفا عسكريا بدورة كانت مدتها ثلاثة اشهر في مدرسة (الاغرار) والذي ساعدني على هذه الوظيفة سعادة رئيس الاركان (فهد الامير) جزاه الله خيرا، بعدها عينت بالعيادات العسكرية في مجال التمريض وعملت في اكثر من وحدة ثم اخذت اجازة لكي اشتري بيتا لوالدي (بعمان) فحدث الغزو وأنا هناك فذهبت وسجلت اسمي بالسفارة الكويتية بعمان وكان اسمي خامس اسم قيد بالسفارة ثم استخرجنا تأشيرات لكي نلتحق بالقوات الكويتية الموجودة بالسعودية وقلت لهم انني اعرف مدينة خالد العسكرية حيث انني عملت بها سنة 1989، مع قوات (درع الجزيرة الخليجي) ودخلت السعودية وتوجهت الى (مدينة خالد) فكنت اول واحد يصل اليها من المجموعة التي كانت معي ولم اجد امامي إلا الدكتور راشد العميري، والدكتور زهير رسمي، فأمضيت معهم ثلاثة اشهر وكان ابنائي واسرتي ووالدي والدتي في الكويت.
العمرة
بعد ذلك، اخذت اجازة مدتها اسبوعان وقصدت بيت الله الحرام لتأدية مناسك العمرة بعدها اخذت اسأل عن جيراني من اهل الجهراء فقيل لي ان العم (عثمان الامير) موجود في مدينة حائل فذهبت لها وانا لا اعرف عنها شيئا وسألت عن مكان العم (عثمان الامير) الذي كان جارنا اربعين عاما ونعم الجار فلما دخلت عليه ورآني فرح فرحا شديدا لقدومي وكان اول سؤال وجهه لي يسأل عن الجهراء واهلها وبعد ان قضيت معه اسبوعا كاملا رجعت إلى لواء الشهيد وحين التحرير دخلنا مع الجيش رافعين رايات النصر وبعد يومين قضيناهما في الكويت توجهت قوتنا إلى مطافي الجهراء فتيسر لي الاطمئنان على الاهل فوجدتهم بخير وسلام وانا اليوم اقدم استقالتي من الجيش بعد هذه الخدمة الطويلة لكي اذهب إلى (والديّ) بعمان واخدمهما لان خدمتهما هي باب الجنة.
القراءة
الوالد ظل بالكويت حتى عام 1961، ثم اخذ حقوقه وجعلها في بيت التمويل وهو بالغزو حافظ على منزل عثمان الامير جارنا العزيز الطيب وكان يقرأ على البيت والسيارات القرآن حتى لا يأتيها الجنود العراقيون، اما الحج فقد حج مع حملة (الجحص) وهو اليوم موجود بالزرقاء بالاردن.
التعليم
اهتم والدي بتعليم ابنائه فمن اخواتي ثلاثة اطباء منهم اربعة ذكور وبنتان وهما (نعمان رئيس قسم الصيدلة بجامعة عمان الاهلية) - معروف مدير محطة العلوم البحرية بالعقبة.
- د/ هانئ وهو من مواليد الكويت في بيت عثمان الامير ومدير تنفيذي لاحدى الشركات الكبرى بالشارقة وابن اختي دكتور ايضا واسمه رفعت.
القلب
الجهراء جميلة بشوارعها ومزارعها واهلها الطيبون وقضيت بها سنين عمري لم تحدث لي اي مشكلة سواء لي او لوالدي ولم ندخل اي مخفر وهي نعمة عظيمة عرف والدي بها بكنيته (أبو معروف) والله يحفظ الكويت وسمو الامير وسمو ولي العهد وحكومتها الرشيدة وشعبها وكل مقيم على هذه الارض الطيبة.
والجهراء بقلبي مادمت حيا بها طفولتي وشبابي وكهولتي لن انسى عائلة (الامراء، السعيد، الخلف، البناق، الحجرف، الجحص، والعريفان، وابناء فريج مهوس وابو تركي السعدون، وصديقي حمود السعيدي أبو فهد، وعلي هداج الحسيني واخوانه، وجميع المصلين في مسجد وقيان).
صور لمراحل متعددة من العمر شقيقه هانئ متوسطا والديه صورة لجواز السفر الذي دخل به والده الكويت عام 1956 مع صديقه حمود السعيدي مع الزميل الديحاني ... ومتوسطا الطفلين عثمان وأروى السعيدي شهادة دورة الاسعافات الأولية 1978 نوط المشاركة في عاصفة الصحراء لتحرير الكويت ... وشهادة وسام تحرير الكويت