الشجرة في عجلون عنوان ورمز، جمال وعطاء، تنمية واستثمار، محبة وإخاء، شِركة وجوار، منظر وإنتاج، تاريخ وحضارة، حاضر ومستقبل، قصة وحكاية، سلام وسياحة، حياة وزراعة، هدوء وسكينة، جلسة وطمأنينة، ظل وظرافة، نظرة وخاطرة، رسمة وبسمة، مبنى ومعنى، أصل وفرع، جَذر وغُصن، تراب وهواء، رسوخ وولاء، وطن وانتماء.
الشجرة في عجلون نعمة ونقمة, حقاً إنها نعمة, حوى قاموسها الأخضر الخيِّر كل المعاني الجميلة السالفة الذكر، ولكنها في قواميس الغرباء أصبحت في زمننا المتقدم الحاضر نقمة أنست أهلها بدائع الفكر، إذ تآمر عليها المتآمرون، وحرموا أرضها كل جديد، وأغرقوا أهلها بالبطالة والفقر، فكانت حقاً الشجرة في عجلون نقمة، لا بل قل الشجرة في عجلون بين المعارضة والموالاة، لها قصتها وحكايتها، كيف لا؟ وأول ابتلاء لبني الإنسان بخروجه من الجنة إلى الأرض هو بشجرة، فصبراً أهل عجلون فلكم ولغيركم من الجنة نصيب.
الشجرة في عجلون اليوم بين أيدي المعتصمين، والكلية العسكرية على برقش قرشت الحال إلى معسكرين، وكلاهما غيور على الشجرة، وأثمن عالياً لكل المتحدثين حديثهم وغيرتهم بشأن الشجرة ومعها الكلية العسكرية، إلا أننا اليوم أمام معلم علمي حضاري عسكري قادم على بقعة غالية من الأردن الحبيب، وُصفت بالنسيان على مر الزمان، وكُتب عليها الحرمان على أيدي الحيتان، ناضلت عن تراب الوطن بالغالي والنفيس، وسطرت في قواميس البطولة الوطنية أنصع الصفحات بالسلاح والخميس.
ثم جاء الجيش العربي الوطني الوفي يختار موقعاً استراتيجياً فنبارك له رأيه واختياره، ونشدُّ على يديه في حفاظه على كل المكتسبات الوطنية والانجازات القومية، وفي أولوياتها الشجرة وترابها وعنوانها ورمزها، واستقر الرأي السديد على قطع قليل من الشجر لا يتجاوز الثلاثمائة الذي تتجدد جذوره وأغصانه كتجدد قطرات الدم في شرايين المتبرعين بدمائهم، ولا يعقل أن تقام كل المشاريع في أي مكانٍ في المملكة دون أن تقطع أشجار أو تهدم بيوت إلا أن نبني في الهواء، وكيف تكون معالجة أو تضحية دون تساقط قطرات الدماء، وكيف لأم تُرضع طفلها وتبني مجدها دون أن يتساقط منها حبات اللبن، والشكر والتقدير للفريق العسكري الذي قام بالاختيار والتقدير، ورأي الأكثرية مع الاحتفاظ بموقع الكلية، وإلا انكفأ الناس على الأشجار بالأذى والأذية.
وأرى إلزام المواطنين عند قلع أشجارهم في حالة الضرورة والحاجة أن يزرعوا غيرها، وأن تسعى الحكومات إلى إلزامية التشجير على غرار إلزامية التعليم، وأن يمارس الناس الزراعة بكل أشكالها، لأن الزراعة العامة الشاملة السليمة طريق الصناعة والتجارة والتكنولوجيا وغيرها، وأتذكر قول أحد رؤساء الغرب "أقاتل خصومي بقنبلة القمح"، وإن الشجرة لتلد الثمرة، والحبة الواحدة لتعطي الحبوب الكثيرة، وإن الدرهم والدينار لا يلد نفسه، وإن حصل فولادة عقيمة، مع احترامنا لكل الصناعات وأدوار الدرهم والدينار.
وأتوجه إلى كل المهتمين بجمال الأشجار ورؤية الأزهار أن لا يدعوا الشجرة وحيدة تعيش غربتها ثم كآبتها ثم دعوتها لكل العاطلين عن العمل أو الفقراء الذين لا يجدون ما يأكلون لتقول دعوني أموت بالقطع أو الحرق لألتحق بركب الموتى بعد أن مات جمالي في أعين الموتى، وهنا دعوة حية صريحة مخلصة إلى كل الأجهزة الحكومية والأيدي الشعبية لنجعل الأردن أخضر، وبدل أن نتغنى أو نتمنى فليزرع كل مواطن شجرة في كل عام ليصبح لدينا ملايين الأشجار، ولو عشنا بين الشجر بمساكن أو مصانع أو مجالس أو مدارس أو معالم ثم تعلمنا فن التعامل معها لكان بيننا الحب المتبادل والغزل الجميل والعمل الدؤوب والصحبة الدائمة ثم لأكلنا من كل الثمار، إلا أن فريقاً من الناس انكفأ على غيره حتى وصل الانكفاء إلى الأشجار، واكتفى آخرون بزيارتها برحلة سياحية أيام الربيع والخريف أو برد السلام عليها من بعيد، مكتفياً بما رآه على شاشة التلفاز وصفحة المجلة.
وأتقدم إلى أصحاب القرار والأموال والأفكار إلى استقدام المشاريع المتنوعة إلى محافظة عجلون، واستكمال تشجير المناطق المكشوفة، واستحداث الوسائل والأساليب المتقدمة في استغلال واستثمار كل شجرة فيها، وتسويق الشجرة ومنتجاتها إعلامياً وسياحياً وصناعياً، وإشراك أهالي المحافظة جميعهم بالعملية الشجرية حفاظاً عليها من التغول والاعتداء أولاً، واستغلالاً لجهود أبناء المنطقة ثانياً، ويمكن عمل وُرش متخصصة، وتشكيل لجان شعبية متنوعة، وإجراء دراسات نظرية وميدانية، واستشجار أنواع جديدة من مناطق العالم، وتقديم المساعدات والمكافآت المالية للمشاركين والمتميزين، وختاماً فالشعب في عجلون يريد إصلاح الأشجار.