رياض النوايسة .. من المريول الابيض الى روب المحاماة
طبيب حصل على عضوية نقابة المحامين، ويقف اليوم في قاعات المحاكم مدافعا عن الحق، منحازا للمظلومين. الدكتور رياض النوايسة، الذي احتفظ بلقبه العلمي الذي استحقه عندما تخرج من كلية الطب في جامعة بغداد منتصف السبعينات، تنازل طواعية عن مريوله الابيض، ليرتدي روب المحاماة بعد ان تردد على عيادته مرضى كثيرون. ربما كانت لحظة دخول الدكتور رياض النوايسة عتبة مجلس النواب عام 1984 لحظة حاسمة في تاريخه المهني، فالطبيب الذي وجد نفسه عضوا في السلطة التشريعية، قرر دراسة القانون ليكون فاعلا في مهمة التشريع والرقابة التي تخوله بها عضويته في اخر برلمان يتم تشكيله في مرحلة الاحكام العرفية. في المزار الجنوبي، وعلى مقربة من اضرحة شهداء مؤتة، فتح الدكتور رياض النوايسة عينيه على الحياة لتشبع روحه بهذا التراث العربي الخالد، ويصبح اليوم احد ابرز رموز التيار القومي في الشارع الاردني. في التصنيف الحزبي يتم التعامل مع الدكتور رياض النوايسة انطلاقا من بعثيته، وهو يؤكد هذا الانتماء ويكرسه في سلوكه اليومي، رغم انه غادر خيمة الحزب التنظيمية منذ سنوات بعيدة، عندما انتخبه ابناء محافظة الكرك في الدورة التكميلية للبرلمان عام 1984 ، كان يرتدي عباءته البعثية، التي عرفه من خلالها المواطنون واجهزة الحكومة معا، وكان طبيعيا ان يكون المواطنون واجهزة الحكومة معا، وكان طبيعيا ان يكون صوت الدكتور النوايسة عاليا تحت القبة، رغم سطوة الاحكام العرفية في تلك المرحلة، ليشكل حالة سياسية استثنائية في وقت صمت فيه كثيرون. رأسه عنيد ولسانه طويل، هكذا يصفه خصومه لكن الدكتور رياض النوايسة دفع ثمن هذا الوصف اعتقالا وملاحقة، ومع ذلك ظل لسانه طويلا عند الحديث عن حقوق الوطن والامه، وظل رأسه عنيدا كلما تعلق الامر بالثوابت والمرتكزات. ليس حزبيا، الا ان مقعده موجود في كل النشاطات العامة، وتعرفه المنابر الوطنية خطيبا وباحثا ومحللا ومفكرا. لم ينجح في الوصول ثانية الى مجلس النواب، رغم عدد الأصوات الكبيرة التي حصل عليها منفردا قبل ما يقرب من عشرين عاما، وظل صوته عاليا في كل المنابر، يمثل مرجعية وطنية واخلاقية لرفاقه واصدقائه والمقربين منه. مكتبه على اطراف الشميساني يمكن ان يتحول في اية لحظة الى «بيت» لكل الاصدقاء، لأن الدكتور رياض النوايسة قادر على جمع كل الفرقاء حول مائدة الوطن، لذلك من الطبيعي ان تجده رئيسا للجنة شعبية للتضامن مع الامين العام لجبهة العمل الاسلامي. اعزب الى ما لانهاية، هكذا اختار طريقه في الحياة، ربما لاعتقاده انه قادر على امتلاك حريته. رياض النوايسة الذي تفتح وعيه مع نكبة فلسطين استمع الى احاديث الرجال وهو طفل، عن عروبة فلسطين، وحقوق الامة فيها، فظلت ذاكرته مشبعة بالمواقف والاحداث، واثرت على خياراته في السياسة والحياة. الذين يعرفون رياض النوايسة، يدركون جيدا ان الرجل لا يقدم تنازلات، وقد عرفته السجون في زمن الاحكام العرفية وفي زمن الديمقراطية، ولاحقته شكاوى البعض بسبب ارائه الصريحة والموجعة. يعرف شوارع عمان وحاراتها وازقتها جيدا، فكثيرا ما يقطعها مشيا على الاقدام، لاحساسه بالانتماء الى بسطاء الشعب، وهو يتحسس معاناتهم جيدا، وصار من الطبيعي ان تجد الدكتور المحامي رياض النوايسة، «متهما» في المحكمة او معتقلا، فالذي بقي من العمر لا يستحق تقديم التنازلات. كان نجما في البرلمان العاشر، وصار نجما في المهرجانات واللقاءات الوطنية، ويعرفه المقهورون جيدا، فهو من طينة «ابناء البلد». الذين يعرفون الدكتور رياض النوايسة عن قرب يعرفون انه قادر على الابتسام، رغم ملامحه الجديدة التي يظهر بها امام الناس، وهو فلاح طيب طبيب يحمل بين يديه مهنة الطب التي تخفى عنها الى مهنة المحامي